قال تعالى : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) : أي فانظر إلى السماء (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (٣) : على الاستفهام ، أي : هل ترى من شقوق ، أي : إنّك لا ترى فيها شقوقا. (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) : أي مرّة بعد مرّة (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) : أي فاترا (وَهُوَ حَسِيرٌ) (٤) : أي كليل ، أي : قد أعيا لا يجد منفذا.
قال تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) : وهي الكواكب (وَجَعَلْناها) : أي الكواكب (رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) : يعني ما جعل منها رجوما. وكان الوقت التي جعلت فيه رجوما حين (١) بعث النبيّ عليهالسلام.
ذكروا عن أبي رجاء العطارديّ قال : كنّا قبل أن يبعث محمّد صلىاللهعليهوسلم ما نرى نجما يرمى به ، فبينما نحن ذات ليلة إذا النجوم قد رمي بها. فقلنا : ما هذا؟ إن هذا إلّا أمر حدث. فجاءنا أنّ النبيّ عليهالسلام قد بعث ، فأنزل الله هذه الآية. وفي سورة الجنّ : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) (٩) [الجن : ٩].
ذكروا عن حسّان بن أبي بلال قال : من قال في النجوم سوى هذه الأشياء الثلاثة فهو كاذب ، ثمّ مفتن مبتدع. قال تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ). وقال : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [الأنعام : ٩٧] فهي مصابيح ورجوم ويهتدى بها (٢).
ذكروا عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال : إذا رأيتم الكواكب قد رمي بها فتواروا فإنّها تحرق ولا تقتل. وفي تفسير الحسن : إنّه يقتلهم في أسرع من طرف (٣).
قال تعالى : (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ) : أي وأعددنا لهم (عَذابَ السَّعِيرِ) (٥) : أي في الآخرة ،
__________________
(١) في ق وع : «حيث بعث ...» ، ويمكن أن تكون الكلمة صحيحة لأنّ (حيث) التي تأتي للمكان أصلا قد ترد أحيانا للزمان ، وإن كان هذا قليلا. انظر : ابن هشام ، مغني اللبيب ، ج ١ ص ١٣١.
(٢) نسب مثل هذا القول أيضا لقتادة ، قال : «خلق الله النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها في البرّ والبحر والأوقات ، فمن تأوّل فيها غير ذلك فقد تكلّف ما لا علم له به ، وتعدّى وظلم». انظر : تفسير القرطبيّ ، ج ١٨ ص ٢١١.
(٣) جاء في ق وع : «فإنّه يحرق ولا يقتل» أي : فإنّ الرمي بها يحرق ولا يقتل.