الآخرة شيئا ، لأنّهم قد جوزوا بها في الدنيا. وأمّا المؤمنون فيوفّون حسناتهم في الآخرة ، وأمّا سيّئات المؤمن ، فإنّه يحاسب بالحسنات والسيّئات ؛ فإن فضلت حسناته سيّئاته بحسنة واحدة ضاعفها الله ، وهو قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (٤٠) [النساء : ٤٠] ، وإن استوت حسناته وسيّئاته فهو من أصحاب الأعراف يصير إلى الجنّة ، وإن فضلت سيّئاته حسناته فقد فسّرنا ذلك في غير هذه السورة (١) ، قال : (وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) (٧٠).
قوله : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) : أي زمرة زمرة ، أي : فوجا فوجا في تفسير الحسن. وفي تفسير الكلبيّ : (زمرا) : أمما ، وكذلك أهل الجنّة. (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٧١).
(قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) : أي لا يخرجون منها أبدا (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٧٢) : أي عن عبادة الله.
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (٧٣).
ذكروا عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال : إذا توجّهوا إلى الجنّة مرّوا بشجرة تجري من ساقها عينان ، فيشربون من إحداهما فتجري عليهم بنضرة النعيم ، فلا تتغيّر أبشارهم ، ولا تشعث أشعارهم بعدها أبدا ، ثمّ يشربون من الأخرى ، فيخرج ما في بطونهم من أذى وقذى ، ثمّ تستقبلهم الملائكة خزنة الجنّة ، فيقولون لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) ، ثمّ تتلقّاهم الولدان ، فيعرف الولدان من قد جعلهم الله له (٢) ، يبشّون لهم ويفرحون بهم كما يفرح الحبيب بالحبيب ، أو كما يفعل الولدان بالحميم إذا جاءه من غيبة. لم يذهب أحدهم حتّى يأتي أزواجه ، أزواج الرجل ، فيبشّرهن ويقول : قد جاء فلان فيسمّيه باسمه ، فيقلن : أنت رأيته؟ فيقول : نعم ،
__________________
(١) انظر ما سلف ، ج ١ ، تفسير الآية ٤٠ من سورة النساء.
(٢) الصواب أن يكون «لهم» ولكنّ المؤلّف يذكر أحيانا الولدان بالمفرد وأحيانا بالجمع ويقصد كلّ واحد من الولدان كما يذكر أزواج الرجل ويردّ الضمير إلى كلّ واحدة منهنّ.