ذكروا عن أبي إسحاق الهمداني عن رجل من بني تميم قال : سألت ابن عبّاس عن قوله : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) قال : الحين ليس بنزو ولا فرار (١).
قال : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) : رجع الكلام إلى قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) أخبر كيف أهلكهم. قال : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) أي محمّد صلىاللهعليهوسلم لينذر من النار ومن عذاب [الله في] (٢) الدنيا.
(وَقالَ الْكافِرُونَ) : أي الجاحدون (هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) (٤) : يعنون محمّدا صلىاللهعليهوسلم. (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) : على الاستفهام منهم ، أي قد فعل حين دعاهم إلى عبادة الله وحده. (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (٥) : أي عجب ، وعجيب ، وعجاب ، كلّه واحد (٣).
(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) : أي على عبادتها (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) (٦). وذلك أنّ رهطا من أشراف قريش مشوا إلى أبي طالب فقالوا : أنت شيخنا وكبيرنا وسيّدنا في أنفسنا ، وقد رأيت ما فعلت هذه السّفّه ، يعنون المؤمنين ، وقد أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فأرسل أبو طالب إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فجاءه ، فقال : هؤلاء قومك وذوو أسنانهم وأشرافهم يسألونك السّواء (٤) ، فلا تمل على قومك كلّ الميل. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وماذا يسألونني؟ فقالوا له : ارفضنا من ذكرك ، وارفض آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتعطونني أنتم كلمة واحدة تدين لكم بها العرب ، وتملكون بها العرب والعجم؟ فقال أبو جهل : لله أبوك ، نعم ، وعشر أمثالها. فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قولوا : لا إله إلّا الله (٥). فنفروا منها ،
__________________
(١) جاءت العبارة في ع هكذا غير واضحة : «الحين ليس نورا ولا فرار» ، وفي زاد المسير لابن الجوزي جاءت العبارة هكذا : «ليس حين يروه فرار» ، وفي كلتيهما خطأ وفساد. وأثبتّ ما جاء في تفسير القرطبيّ وفي تفسير الطبريّ : «ليس بحين نزو ولا فرار». ولست مطمئنّا للكلمة «نزو» وإن قيل : إنّ معناها : «نوع من العدو» ، ومن معانيها أيضا الوثب.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٢٩١.
(٣) وزاد الفرّاء في معاني القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٩٩ : (عجّاب) وقال : «... كلّ نعت نعتّ به اسما ذكرا أو أنثى أتاك على فعال مشدّدا ومخفّفا فهو صواب».
(٤) في ع : «يسألونك السؤال» وهو خطأ ، صوابه ما أثبتّه : «السّواء» ، أي : العدل والنّصف.
(٥) أخرجه ابن جرير الطبري في التفسير ، ج ٢٣ ، ص ١٢٥ عن ابن عبّاس كما أخرجه الترمذيّ والبيهقيّ في ـ