قال : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) : أي جوارحهم (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٠) : كقوله : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٦٥) [يس : ٦٥]. لمّا قالوا : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢٣) [الأنعام : ٢٣] ختم الله على أفواههم وقال للجوارح : انطقن. فأوّل ما يتكلّم من أحدهم فخذه. كقوله : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) [النساء : ٥٦] ، تأكل النار منهم كلّ شيء حتّى تنتهي إلى الفؤاد ، ثمّ يجدّد خلقهم ، فثمّ هكذا أبدا.
قال : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) : [انقطع] (١) ذكر كلامهم هاهنا في هذا الموضع. قال الله عزوجل : (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) : [يقوله للأحياء] (٢) (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢١) : أي يوم القيامة.
قال : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) : أي لم تكونوا تستترون من الله (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ) : أي حتّى لا يشهد عليكم سمعكم (وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ). وقال مجاهد : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) أي : تخفون (٣).
(وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢٢).
ذكروا عن الأعمش عمّن حدّثه (٤) عن عبد الله بن مسعود قال : بينما أنا عند الكعبة إذ جاء
__________________
(١) زيادة لا بدّ منها لتستقيم العبارة.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٠٧.
(٣) كذا في ع وق : «تخفون». وفي ز : «أي : تتّقون». وكذلك جاء في تفسير الطبريّ ، ج ٢٤ ص ١٠٨ : «قال بعضهم : معناه : وما كنتم تستخفون ... وقال آخرون : معناه : وما كنتم تتّقون». ثمّ زاد الطبريّ «... حدّثنا سعيد عن قتادة (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) يقول : وما كنتم تظنّون (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ) حتّى بلغ (كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ). والله إنّ عليك يا ابن آدم لشهودا غير متّهمة من بدنك ، فراقبهم ، واتّق الله في سرّ أمرك وعلانيتك ، فإنّه لا يخفى عليه خافية ، الظلمة عنده ضوء والسرّ عنده علانية ، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظنّ فليفعل ، ولا قوّة إلّا بالله». وهذا كلام نفيس وفيه عظة وعبرة لمن اعتبر.
(٤) روى الطبريّ في تفسيره ، ج ٢٤ ص ١٠٩ هذا الخبر بسند من طريقين : ... عن مجاهد عن أبي معمر الأزديّ عن عبد الله بن مسعود. ورواه من طريق الأعمش عن عمارة بن عمير ، عن وهب بن ربيعة ، عن عبد الله بن مسعود.