ثلاثة نفر : قرشيّان وثقفيّ ، أو ثقفيّان وقرشيّ ، كثير شحم بطونهم ، قليل فقه قلوبهم ، فدخلوا في أستار الكعبة. فتحدّثوا حديثا لم أفقهه ؛ فقال بعضهم لبعض : أترون أنّ الله يسمع ما نقول؟ فقال أحدهم : لا يسمع شيئا. فقال الآخر : أراكم إذا رفعتم أصواتكم يسمع ، وإذا لم ترفعوا أصواتكم لم يسمع ، وقال الثالث : لئن كان يسمع منه شيئا إنّه يسمعه كلّه. قال فأقبلت إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأخبرته ، فأنزل الله : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ ، أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ). وقوله : (ظَنَنْتُمْ) أي : حسبتم (١).
قال : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) : أي باعدكم من الله ، في قول بعضهم.
وقال بعضهم : أهلككم. (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣).
قال : (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) : أي يطلبوا إلى الله أن يخرجهم من النار إلى الدنيا ليؤمنوا (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) (٢٤) : كقوله : (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (٣٥) (٢) [الجاثية : ٣٥].
قال : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) : أي نسبنا لهم قرناء (٣) ، يعني الشياطين. كقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (٨٣) [مريم : ٨٣] أي : تزعجهم إزعاجا في معاصي الله.
قال : (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) : قال الحسن : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي : حبّ ما كان عليه آباؤهم من الشرك وتكذيبهم الرسل. (وَما خَلْفَهُمْ) تكذيبهم بالبعث.
وقال الكلبيّ : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) : من أمر الآخرة ، فأخبروهم أنّه لا بعث ولا جنّة ولا نار ،
__________________
(١) وقع اضطراب وحذف لبعض الآية عند تفسير هاتين الآيتين في ق وع ، فاستعنت بمخطوطة ز لجعل كلّ شيء في مكانه وإتمام ما نقص حتّى يستقيم المعنى ويتّضح.
(٢) (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) أي : إن يطلبوا العتبى ، وهي الرضا ، فإنّهم لا يجابون إلى ما يطلبون. تقول : استعتبته فأعتبني : إذا طلبت منه أن يرضيك فأرضاك.
(٣) كذا في ق : «نسبنا» ، وفي ع : «سمّينا» ، وفي تفسير الطبري : «سببنا». وكلّها متقاربة المعنى. يقال : قيّض الله فلانا لفلان : إذا جاء به وأتاحه له.