كان ذلك فيما بينهم وبين المشركين قبل أن يؤمر بقتالهم. كقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) [الجاثية : ١٤] يعني المشركين ، ثمّ نسخت ، فأمر بقتالهم ، فصارت بين المسلمين.
ذكر عن أبي الأحوص عن أبيه قال : قلت يا رسول الله ، إنّ لي جارا ، وإنّه يسيء مجاورتي ، أفأفعل به كما يفعل بي؟ قال : لا ، إنّ اليد العليا خير من اليد السفلى (١). ذكروا عن مجاهد في قوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، يعني السّلام ، يسلّم عليه إذا لقيه.
ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألا لا تهاجروا ، فإن كنتم ولا بدّ فاعلين فلا تهاجروا فوق ثلاثة أيّام ؛ ألا وإن ماتا وهما متهاجران لم يجتمعا في الجنّة. الأوّل أفضلهم الذي يبدأ بصاحبه (٢). ذكروا عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إنّ الأعمال ترفع كلّ يوم اثنين ، وخميس ، فإذا مرّ بأعمال المتصارمين عزلت أعمالهما (٣). ذكروا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : إذا كان كلّ ليلة اثنين وخميس تاب الله على التائبين ، وترحّم على المتراحمين ، وترك أصحاب الغلّ.
قوله : (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (٣٤) : أي كأنّه وليّ قريب.
قوله : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٣٥) : أي لا يعفو العفو الذي يقبله الله إلّا أهل الجنّة ، وهو الحظّ العظيم (٤).
__________________
(١) أخرجه ابن سلّام بالسند التالي : «يحيى عن فطر عن أبي إسحاق الهمدانيّ عن أبي الأحوص عن أبيه قال ...». وانظر ما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية ٢٢ من سورة الرعد.
(٢) حديث صحيح متّفق عليه ، أخرجه أصحاب السنن من طرق وبألفاظ متقاربة. أخرجه البخاريّ مثلا في كتاب الأدب ، باب الهجرة وقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، عن أنس بن مالك ، وعن أبي أيّوب الأنصاريّ ، وأخرجه مسلم في كتاب البرّ والصلة والآداب ، باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعيّ ، عن أبي أيّوب الأنصاريّ ، وعن ابن عمر (رقم ٢٥٦٠ ، ٢٥٦١) وأخرجه أحمد بن حنبل ، وفيه : «فإن ماتا على صرامهما لم يجتمعا في الجنّة أبدا».
(٣) حديث صحيح أخرجه مالك في الموطأ ، كتاب الجامع ، باب ما جاء في المهاجرة ، وأخرجه مسلم في كتاب البرّ والصلة والآداب ، باب النهي عن الشحناء والتهاجر ، (رقم ٢٥٦٥) وأخرجه أبو داود في كتاب الآداب ، باب فيمن يهجر أخاه المسلم (رقم ٤٩١٦) وغيرهم ، كلّهم يرويه من حديث أبي هريرة.
(٤) كذا في ق وع ، وفي ز ورقة ٣٠٨ : «وهي الحظّ العظيم». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ١٨ : «يريد ما يلقى ـ