دون الله ، (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) : أي يحفظ عليهم أعمالهم حتّى يجازيهم بها ، فيدخلهم النار. (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (٦) : أي بحفيظ تحاسبهم وتجازيهم بأعمالهم. أي : الله هو الذي يفعل ذلك بهم ، إنّما أنت منذر. قوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) : أي مكّة ، ومنها دحيت الأرض (وَمَنْ حَوْلَها) : يعني الآفاق كلّها. (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) : أي يوم القيامة (١). يجتمع فيه الخلائق ، أهل السماوات وأهل الأرض (لا رَيْبَ فِيهِ) : أي لا شكّ فيه أنّه آت. (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (٧) : أي في النار.
قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) : أي على الإيمان. كقوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩]. قال : (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) : أي في دينه الإسلام. (وَالظَّالِمُونَ) : أي المشركون (ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ) : أي يمنعهم من عذاب الله (وَلا نَصِيرٍ) (٨) : أي ينتصر لهم.
قوله : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) : يعني أوثانهم ، على الاستفهام. يقول : قد اتّخذوا من دونه آلهة فعبدوهم من دونه. (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) دون الأوثان (وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى) وأوثانهم لا تحيي الموتى (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٩) ، وأوثانهم لا تقدر على شيء.
قوله : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) : يعني ما اختلفتم فيه من الكفر والإيمان ، فحكمه إلى الله ، أي : فهو يحكم بينهم فيه ، يعني المؤمنين والمشركين ، فيدخل المؤمنين الجنّة ، ويدخل المشركين النار (٢). (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) يقوله النبيّ عليهالسلام ، أي : قل لهم : ذلكم الله ربّي ، أي : الذي الحكم إليه. (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (١٠) : أي إليه أرجع.
(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) : يعني النساء ، أي :
__________________
(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٢٢ : «وأمّ القرى : مكّة ، ومن حولها من العرب. (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) معناه : وتنذرهم يوم الجمع ، ومثله قوله : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) [آل عمران : ١٧٥] معناه : يخوّفكم أولياءه».
(٢) قصر المؤلّف الاختلاف في الآية على الاختلاف بين الكفر والإيمان ، ويبدو أنّه أعمّ من ذلك وأشمل ، وأنّه يتناول كلّ أنواع الاختلاف. فالنكرة (شيء) ، وقد جاءت بعد (من) المبيّنة لما أبهمته (ما) من أقوى ألفاظ العموم. فتأمّل.