قوله : (وَما تَفَرَّقُوا) : يعني أهل الكتاب (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) : [أي : حسدا فيما بينهم] (١) ؛ أرادوا الدنيا ورخاءها فغيّروا كتابهم فأحلّوا فيه ما شاءوا وحرّموا ما شاءوا ، فترأّسوا على الناس يستأكلونهم ، فاتّبعوهم على ذلك ؛ كقوله : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) [التوبة : ٣١] أي : يحلّون لهم ما حرّم الله عليهم فيستحلّونه ، ويحرّمون ما أحلّ الله لهم فيحرّمونه.
قوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : أي إلى القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) : وقد فسّرناه في الآية الأولى قبلها (٢).
قال : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) : يعني اليهود والنصارى من بعد أوائلهم (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) : أي من القرآن (مُرِيبٍ) (١٤) : أي من الريبة. وقال الكلبيّ : يعني مشركي العرب.
قوله : (فَلِذلِكَ فَادْعُ) : أي إلى الله (وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) : أي على الإسلام (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) : أي الشرك (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) : أي لا أظلم منكم أحدا.
(اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) : أي لا خصومة بيننا وبينكم أي في الدنيا (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) : أي يوم القيامة (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٥) : أي المرجع. أي : نجتمع عنده فيجزينا ويجزيكم بها الثواب والعقاب.
قوله : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) : يعني المشركين يحاجّون المؤمنين في الله ، أي : في عبادتهم الأوثان (٣). (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) : يعني من بعد ما استجاب له المؤمنون
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ٣١٠.
(٢) انظر ما سلف قريبا في هذا الجزء ، تفسير الآية ٤٥ من سورة فصّلت.
(٣) ما ذهب إليه الشيخ ابن عاشور في معنى محاجّة المشركين المؤمنين أحسن تأويلا. قال في تفسيره ، ج ٢٥ ص ٦٥ : «يحاجّون في شأن الله ، وهو الوحدانيّة ... فمعنى محاجّتهم في الله محاجّتهم في دين الله. أي : إدخالهم على الناس الشكّ في صحّة دين الإسلام ، أو في كونه أفضل من اليهوديّة والنصرانيّة ، ومحاجّتهم هي ما يلبسوه (ذا) به على المسلمين لإدخال الشكّ عليهم في اتّباع الإسلام ...».