هذا وقد كان رحمهالله قد قال قبل ذلك : أقول : وسمعت من يذكر طعناً على محمّد ابن سنان لعله لم يقف على تزكيته والثناء عليه ، وكذلك يحتمل أكثر الطعون . . . ثم أتى بخبر الشيخ المفيد في كتاب « كمال شهر رمضان » عن علي بن الحسين بن داود قال : سمعنا أبا جعفر عليهالسلام يذكر محمّد بن سنان ويقول : رضي الله عنه برضائي عنه ، فما خالفني ولا خالف أبي قطّ (١) .
وعليه : فإنّ الغلوَّ المعنيَّ في كلام القميّين كان هو الثاني ، وأنّهم كانوا يخافون ممن يعتقد أنّ معرفة الإمام مسقطةٌ للفرائض ، فكانوا يتبرّؤون منهم ، ويمتحنونهم بالصلاة وأمثالها من الضروريات ، فإن ادوها تركوهم كما رأيتهم مع ابن أورمة ، وما قاله أحمد بن هليل الكرخي في محمّد بن سنان « معاذ الله ، هو والله علمني الطهور » ، وما حكاه الغضائري عن الحسين بن شاذويه بأنّه رأى له كتاباً في الصلاة سديداً ، لان الغلو لا يجتمع مع العبادة وتعليمها ، وهذه المواقف جديرة بالتقدير ، لأنّ الاعتقاد بمثل هذه الأمور تستوجب القتل أو الطرد ، وذلك لإنكارهم ضروريّات الدين الحنيف وهذا لا غبار عليه ، لكنّ الاشكالية التي كانت تؤخذ عليهم هي أنّهم كانوا يتسرّعون في إطلاق الأحكام على الأفراد بمجرّد التهمة ، وهذا ما لا نرتضيه .
أمّا دعوى أنّ القميّين اعتقدوا منزلة خاصّة من الرفعة أو أنّهم كانوا مقصّرين في حقّ الأئمّة فهو غير صحيح ، لأنّ أغلب المعارف الولوية ( الولائية ) قد جاءت بأسانيدهم وفي كتبهم ، وأنّ حدود ٧٠ % من رواتنا منهم ، فلو كان هؤلاء الرواة الاعاظم لا يدركون كلمات ومقامات الأئمّة فمن يدركها اذن ؟ وكيف وصلت إلينا تلك المعارف عن الأئمة ألم تكن بواسطتهم ؟
فالزيارة الجامعة الكبيرة التي فيها عمدة مقامات الأئمّة وصفاتهم وكمالاتهم لم يروها أحد غير القميون ، والشيخ رواها عن الصدوق رحمهالله ، والصدوق رواها
__________________
(١) فلاح السائل : ١٢ ـ ١٣ طبعة النجف .