معتقداً بجميع فصولها ودلالاتها في « الفقيه » الذي صرّح في مقدّمته : « قصدت إلى إيراد ما أُفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي » .
إذن معرفة القميّين بالأئمّة إن لم تكن أرسخ من معرفة البغداديين فهي ليست بأقل منها قطعاً ، وإن ولائهم للأئمّة مما لا يمكن المزايدة عليه ، وهي حقيقة ثابتة ، نعم يمكن مؤاخذتهم في عدم التأنّي في صدور الأحكام والاستعجال برمي الآخرين بالوضع أو التفويض ؛ إذ وقفت سابقاً على كلام الصدوق رحمهالله تبعاً لشيخه ابن الوليد بأن أصل زيد النرسي وضعه محمّد بن موسى الهمداني في حين ثبت لك عكس ذلك .
إذ أنّ ابن الغضائري رغم تجريحه لكثير من المحدّثين قد قوّى من ضعفه القميّون جميعاً ؛ كأحمد بن الحسين بن سعيد ، والحسين بن شاذويه ، وزيد الزّراد ، وزيد النرسي ، ومحمّد بن أورمة ، لأنّه رأى كتبهم وأحاديثهم صحيحة ، ويشهد على ذلك ما قاله في محمّد ابن أُورمة وأنّه نظر في كتبه ورواياته كلّها فوجدها نقيّة لا فساد فيها ، إلّا أوراقاً في الباطن ظَنَّها مكذوبة عليه .
وهذا يشير إلى أنّ منهج ابن الغضائري رحمهالله كان يختلف عن منهج القميّين ؛ لأنّه كان يلحظ أرجحيّة الرواية ، في حين كان القميّون ينظرون إلى وثاقة الراوي . وبذلك تكون توثيقات المتشدد من الرجاليين في أعلى مراتب الاعتبار ، وخصوصاً من قِبَل ابن الغضائري لكونها قليلة ، والذي قال عنه المحقق الداماد : قلّ أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو ثقةٌ من قدحه .
وكذا كلامه رحمهالله في اعتقاداته : من علائم التفويض والغلوّ أنّهم يتّهمون علماء قمّ بالتقصير .
فإنّ هذين النصّين
وأمثالهما يؤكدان تَسرُّعَ القميين في إطلاق الأحكام على الآخرين وعلى رواياتهم تبعاً لذلك ، وبمقايسة بسيطة بين كلامي الشيخ الصدوق القمّي في «
الفقيه » وبين الشيخ الطوسي
البغدادي في «
المبسوط » حول في الشهادة