ومن المؤسف ان غالب
الشبهات المطروحة حول الشهادة الثالثة تدور مدار الجزئية وبتصور أنّا نأتي بها على أنّها جزء الأذان ، في حين أن فقهاء الطائفة
ومنذ عصر السيّد المرتضى والشيخ الطوسي إلى يومنا هذا يؤكدون على عدم جزئيتها بل يأتون بها لمحبوبيتها ، وقالوا عن الآتي بها للمحبوبية غير مأثوم ، وأن فعلهم لم
يكن بدعة كما يريد الاخرون تصويره ، لكن الاخرين لا يريدون أن يقبلوا هذا الامر أو تراهم يتناسونه في كلامهم ، وإني في هذه الدراسة اُريد أن أوكد على وجه محبوبية هذا الأمر عندنا لا جزئيته ، عسى أن أكون قد ساهمت في رفع بعض الشبهات المطروحة في هذا الصدد وسعيت في تحكيم هذا الصرح وتثبيت العقيدة . وبما أنّ غالب البحوث
المطروحة حول الشهادة الثالثة لم تشف غليلي ولم تف بمطلوبي ـ لأنّ فقهاءنا الأقدمين وحتى المعاصرين منهم لم يُولوا البحث الأهمية القصوى ، ولم يفردوا له دراسة معمّقة مستقلة ، ولم يدرسوا الروايات فيه دراسة شاملة ، مكتفين ببعض التعليقات والتوضيحات ، مع أنّهم قد كتبوا رسائل مستقلّة وبحوثاً مشبعة في مسائل دونها في الأهمية ـ رأيت أن أكتب دراسة مستقلّة وافية فيه ـ لأنّ بحثاً بهذه الأهمية لا يمكن الاكتفاء فيه ببعض الأسطر والتعليقات
المتناثرة بين ثنايا الكتب ، بل يجب أن يقف الدارس المحقّق عنده وقفة فقيه متأمّل متدبّر ، فلا يأخذ نصوص السابقين على ظاهرها ، ويحكم بأنّ فلانا منع من الشهادة الثالثة ، أو أن فلاناً لا يستسيغها ، أو أنّ ثالثاً يقول ببدعيّتها ، دون
دراسته للظروف التي كان يعيش فيها أولئك الفقهاء والمحدّثين ، والأماكن التي كانوا يسكنون فيها . فإنّ مراعاة الزمان
والمكان ، والشروط المحيطة بالراوي ، يساعد الفقيه على فهم شروط وظروف صدور النصّ عن الشيخ الصدوق والسيّد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، وابن البراج ، وأمثالهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .