الروايات واتّهام كثير من المشايخ بالكذب ، قال الشيخ الصدوق في ( الاعتقادات في دين الإمامية ) : وعلامة المفوّضة والغلاة وأصنافهم [ اليوم ] نسبتهم مشايخ قمّ وعلماءهم إلى القول بالتقصير (١) ، هذا مع ملاحظة تفرّد الشيخ الصدوق قدسسره بأنّ الأخبار موضوعة إذ لم يقل أحد بذلك قبله .
الرابعة : لعلّ الشيخ الصدوق اتّهم المفوّضة بوضع أخبار ؛ لأنّهم تجاوزوا حد ما كانت تعمل به بعض الشيعة آنذاك من قبيل : « محمّد وآل محمّد خير البرية » ، و « عليّ خير البشر » قاصدين بها الجزئية ، ثم أتى بنصوص دالّة على الشهادة الثالثة بإرسال ، دون ذكر أسانيدها ، مؤكّداً بكلامه على تعدّد طرقها ومتونها ، وهي صريحة بأنّ ما وقف عليه الشيخ الصدوق رحمهالله عند من سمّاهم المفوّضة ليس خبراً واحداً ، بل هي أخبار كثيرة ، لذلك قال : ( وفي بعض رواياتهم ) ثم أردف ذلك قائلاً : ( ومنهم من روى بدل ذلك ) ، وهاتان العبارتان تؤكدان بوضوح تعدّد تلك الروايات ، وتكثّر طرقها ، واختلاف صيغها على غرار المعمول عليه عند بعض الشيعة من الزيدية والإسماعيلية الذين كانوا يأتون بها على نحو التفسيرية أو القربة المطلقة ؛ لأنّ تعدّد الصيغ ينبئ عن عدم الجزئية عندهم .
فكأنّ المفوّضة ـ حسب اعتقاد الصدوق رحمهالله ـ وضعوا أخباراً مسندةً بتلك الصيغ المعمول بها عند بعض الشيعة ليلزموا الآخرين بالإجهار بها ، وهذه الزيادة ـ وعلى نحو الجزئية ـ لا يرتضيها الشارع المقدّس ولا يقبلها الشيخ الصدوق ولا غيره من علماء الإمامية إذا كان مستندها تلك الأخبار الموضوعة ـ فيما لو ثبت وضعها ، فهذا العمل من أبطل الباطل ـ لكنّ الكلام ليس في الكبرى بل في الصغرى ، وهي أنّ هذه الأخبار كانت موضوعة فعلاً ؟ وأنّ رواتها هُمُ المفوّضة أم المتّهمون بالتفويض
__________________
(١) الاعتقادات : ١٠١ .