وقد بارك لي أحد الإِخوة دراستي هذه عن الشهادة الثالثة موكّداً الاكتفاء بمبحث الأذان دون الإقامة ، لاعتقاده بأنّ الإقامة من الصلاة ، للروايات الواردة في ذلك ، فأجبته بأنّ الأمر لم يكن كما تتصوَّره ، إذ الفقهاء قد اختلفوا في ذلك ، فالنزرُ القليل اعتبروها من الصلاة ، والجُلُّ الأعظم جعلوها خارجة عنها .
بل نقول بأكثر من ذلك أنّ الأذان والإقامة خارجان عن حقيقة الصلاة جزءً وشرطاً ، إذ النداء للشيء غير نفس الشيء ، بل في بعض فصولهما كالحيعلات الثلاث ما يدل على عدم إرتباطهما بالصلاة أصلاً ، لكونهما ليسا أذكاراً ، والصلاة إنّما هي الذِّكر .
والفرق بينهما أنّ الأذان هو نداء ودعوة للغائبين ، والإقامة هي تنبيه للحاضرين المجتمعين في المسجد ، وذلك لإمكان اشتغالهم بالكلام والأُمور الحياتية الاُخرى ، فربّما لا يلتفتون إلى قيام الصلاة إلّا بعد قول الإمام « قد قامت الصلاة » .
ويؤيد ما قلناه ورودهما معاً في بعض الأخبار ، فقد يسمّى الأذان إقامة ، والإقامة أذاناً في الأخبار الواردة عن الأئمّة المعصومين ، بل إنّ إطلاق النداء على الإقامة يؤكّد معنى الإعلامية فيهما معاً .
إنّ كونهما نداءً ، دليل على خروجهما عن حقيقة الصلاة وعدم تقوّمها بهما ، فلا يمكن لأحد أن يفتي ببطلان الصلاة لو وقعت بدونهما أو بدون أحدهما .
نعم ، لا ننكر وجود فروق بينهما ، لكنها لا تكون بحدٍّ توجب القول بأن الإقامة جزء من الصلاة ، فإنّ القول بعدم جواز الالتفات في الإقامة وجوازه في الأذان ، أو لزوم الطهارة والوضوء في الإقامة بخلاف الأذان ، أو جواز الفَصْل بين الأذان والإقامة وعدم جواز الفصل بين الإقامة والصلاة ، أو لزوم التوجّه إلى القبلة في الإقامة دون الأذان ، إلى غيرها من الأمور الكثيرة الملحوظة في الإقامة دون الأذان ، لا توجب حكماً شرعياً وتَقَوُّماً ذاتيّاً آخر بحيث تعدّ الإقامة من الصلاة دون الأذان .