ثم جاء رحمهالله يصور تلك الأقوال ، فقال :
|
فإن عمل عامل على إحدى هذه الروايات ، لم يكن مأثوماً . وأمّا ما رُوي في شواذّ الأخبار من قول : « أشهد أنّ علياً ولي الله ، وآل محمّد خير البرية » فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل بها كان مخطئاً (١) . |
وقد يتصوّر المطالع أنّ الشيخ قد عارض نفسه ، لأنّه قال في المبسوط : « ولو فعله الإنسان لم يأثم به » ، وفي النّهاية : « فمن عمل بها كان مخطئاً » .
لكنّ هذا التوهّم بعيد جداً حسب قواعد العلم ومعايير الاجتهاد ، لأنّ الشيخ رحمهالله عنى بقوله الأوّل : الإنسان لو فعلها بقصد القربة المطلقة ولمحبوبيتها الذاتية « لم يأثم به » ، وأمّا لو فعلها بقصد الجزئية « كان مخطئاً » بحسب أصول الاجتهاد ، لأنّ الشيخ الطوسي لا يأخذ بالأخبار الشاذّة إذا عارضت ما هو أقوى منها ، وسيأتي أنّ بعض العلماء ـ كالمجلسي وغيره ـ تمسّكوا بشهادة الشيخ ، فأفتوا بموجب ذلك باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان ، باعتبار أنّ الشاذ هو الحديث الصحيح غير المشهور ، في حين ان الشاذ لم يكن كذلك بل هو ممّا يؤخذ فيه انواع الحديث الاربعة ، منه الصحيح ، ومنه الضعيف ، وما بينهما عند الكثير .
واحتمل الآخر جمعاً بين القولين : بأن الشيخ رحمهالله عنى بقوله في النهاية ، الذي يأتي بها على نحو الجزئية ، فإنه لا يأثم وإن كان مخطئاً بحسب الصناعة ، لأنّه بذل وسعه وتعرف على الحكم وإن كان مخطئاً في اجتهاده ، لأخذه بالمرجوح وترك الراجح . وهو كلام بعيد عن الصواب لا نلتزمه .
أمّا لو قلنا بأن معنى الشاذ عند الشيخ الطوسي هو الضعيف الذي لا يعمل به ، فالشيخ صرح بأن العامل به لا يأثم .
__________________
(١) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى : ٦٩ وانظر نكت النهاية ١ : ٢٩٣ للمحقق الحلي كذلك .