ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرجلان قلت : يا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان ، فأجبت كلّ واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه ! !
فقال : يا زرارة ، إنّ هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم . ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدَّقكم الناس علينا ، ولكان أقلَّ لبقائنا وبقائكم .
قال : ثمّ قلت لأبي عبد الله [ الصادق عليهالسلام ] : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النار لمضوا ، وهم يخرجون من عندكم مختلفين ، قال : فأجابني بمثل جواب أبيه .
قال الشيخ يوسف البحراني في الحدائق : فانظر إلى صراحة هذا الخبر في اختلاف أجوبته عليهالسلام في مسألة واحدة في مجلس واحد ، وتَعَجُّب زرارة ، ولو كان الاختلاف إنّما وقع لموافقة العامّة لكفى جواب واحد بما هم عليه ، ولما تعجّب زرارة من ذلك ، لعلمه بفتواهم عليهمالسلام أحياناً بمّا يوافق العامة تقيّة .
ولعلّ السرّ في ذلك أنّ الشيعة إذا خرجوا عنهم مختلفين ، كلٌّ ينقل عن إمامه خلاف ما ينقله الآخر ، هان مذهبهم على العامّة ، وكذّبوهم في نقلهم ، ونسبوهم إلى الجهل وعدم الدين ، وقَلُّوا وتشتَّتوا في نظرهم ، بخلاف ما إذا اتّفقت كلمتهم وتعاضدت مقالتهم ، فانّهم يصدّقونهم ويعلمون أنّهم طائفة كبيرة ذات خطر فيشتدّ بغضهم لهم ولإمامهم ومذهبهم ، ويصير ذلك سبباً لثوران العداوة ، ويكون دافعاً لاستئصالهم ومحو شوكتهم وإلى ذلك ، يشير قوله عليهالسلام : « ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا وكان أقلّ لبقائنا وبقائكم » (١) .
ومن ذلك أيضاً ما رواه الشيخ في التهذيب (٢) في الصحيح ـ على الظاهر ـ عن سالم أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « سأله إنسان وأنا حاضر فقال : ربّما
__________________
(١) أنظر الحدائق الناضرة ١ : ٦٠ من المقدمة الاولى بتصرف .
(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٥٢ / ح ٣٧ باب المواقيت .