فرفع الخليفة عنه العقوبة (١) .
فتلخّص ممّا سبق : أنّه ليس هناك تعارضٌ بين قولي الشيخ في النهاية والمبسوط ، لأنّه رحمهالله عنى بقوله الأوّل الذين يأتون بها على نحو الجزئية وهؤلاء مخطئون حسب قواعد الاستنباط ، وأمّا الذين يأتون بها لجوازها في نفسها فلا إثم عليهم .
ولا يخفى عليك أنّ الشيخ قال في النهاية : « كان مخطئاً » ولم يقل : « كان مبدعاً » كما قاله في الذين يأتون بجملة « الصلاة خير من النوم » ، والفرق بين الأمرين واضح .
وممّا يجب التنبيه عليه هنا هو أنّ الشيخ ألّف كتابه « النهاية » قبل « المبسوط » ، لأنّه رحمهالله ذكر النهاية والتهذيب في مقدّمة الاستبصار وفي مشيخته ولم يذكر غيرهما من كتبه ، وهو يؤكّد بأنّ النهاية والتهذيب قد أُلِّفا قبل الاستبصار .
وبمراجعة لكتاب الخلاف والمبسـوط والعدّة وغيرها من كتبه نرى الشيخ ذكر « الاستبصار » فيهما ، وهذا يعلمنا بأنّ المبسوط قد أُلِّف بعد الاستبصار ، ومنه نفهم بأنّ نص النّهاية هو الأوّل ثم يتلوه نصّ المبسوط الذي نفى فيه الإثم .
وهو الآخر يرشدنا إلى أنّ القول الأوّل للشـيخ في « النّهاية » كان قريباً إلى الصدوق حيث أنّهما كانا يعنيان بكلامهما الآتِينَ بالشهادة الثالثة بقصد الجزئية المسمَّين بالمفوَّضة ، ولكنّ الشيخ في « المبسوط » عنى الذين يأتون بها لمحبوبيّتها الذاتية ، ولذلك ليسوا هم بآثمين .
وفي هذين النصَّين إشارة إلى حدوث نقلة نوعية في كلامه رحمهالله ؛ لأنّه في نصّ « النهاية » كان يتصوّر ـ كالشيخ الصدوق ـ أنّ القائلين بالشهادة بالولاية غالبهم ممن يقولون بها على نحو الجزئية ، وأنّ تهمة التفويض المحرّم تدور مدارهم ،
__________________
(١) قاموس الرجال ٩ : ٢٠٨ ، عن مجالس المؤمنين ١ : ٤٨١ . ومن أراد المزيد مما كان يمرّ به الشيخ الطوسيّ من ظروف عصيبة فليطالع حياته السياسية والعلمية في مظانّها .