الثالث : أنّه اتّبع مشايخه الثقات الذين تسرّعوا في الحكم بالوضع على بعض الأخبار والأصول ، كما شاهدناه في اتّباعه لشيخه ابن الوليد بالحكم بوضع موسى الهمداني لأَصْلَي زيد الزراد والنرسي ، في حين اجمع الأصحاب على خطأ هذا الحكم من قبل ابن الوليد ومن تبعه كالشيخ الصدوق رحمهالله ، ومثل هذا يشكّكنا فيما يجتهد فيه ودعانا التأمّل بحكمه بوضع أخبار الشهادة الثالثة ومن قبل المفوّضة .
* وفي عصر الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) تساءلنا عن سبب تركه رحمهالله الاعتراض على الصدوق في هذه المفردة ، مع أنّه صحّح اعتقاداته في كتاب آخر ، وهل يعني ذلك تأييده له أم لا ؟ فقلنا : إنّ الشيخ لم يقبل ما رواه الصدوق في فصول الأذان ، والشهادة الثالثة لم تكن عنده بتلك الأهمية ؛ لاعتقاده بعدم كونها من أصل الأذان ، بمعنى جواز فعلها أو تركها ، وأنه رحمهالله كان لا يريد الدخول في أُمور جزئية اجتهادية مع الآخرين ، لأنّ الإفتاء بشيء حسّاس كالشهادة الثالثة ـ وإن كان بالجواز ـ قد يسبّب مشكلة بين الشيعة أنفسهم ، في حين هم بأمس الحاجة إلى وحدة الكلمة ، لأنّ الحكومات الشيعية كانت في تصاعُد وتَنَام في عهده ، وكانوا يؤذّنون بـ « محمّد وعلي خير البشر » في مصر وحلب وبغداد واليمامة ، وكان الشيخ المفيد لا يريد أن يبيّن أنّه يتّفق مع هذه الحكومات أو يختلف معهم ، المُهِمُّ أنّه رأى الكفاية فيما تأتي به بعض الشيعة للدلالة على الجواز ولا داعي للإفتاء صريحاً بذلك ، وخصوصاً أنّه رحمهالله لم يُسْئَل ـ كتلميذه المرتضى ـ حتى يجيب .
والخلاصة : أنّ الشيخ اكتفى ببيان الضروري في الأذان وهو جزئيّة الحيعلة الثالثة ، وفي مطاوي كلامه ترى ما يدلّ على قوله بالجواز ، لأنّه لا يرى بأساً بالكلام في الأذانِ ، والشهادةُ بالولاية من الكلام قطعاً فلا يخلّ بالأذان حسب قوله ومبناه ، بل إنّ سكوته هو إمضاء لفعل الشيعة في حدود قولهم بالجواز ، أمّا لو اعتقدوا بالجزئية وأتوا بها على هذا الاعتقاد فمن البعيد أن يسكت الشيخ المفيد على خطائهم .