وعليه فغالب العلماء بدءً من الصدوق والمفيد والسيّد المرتضى والشيخ الطوسي وختماً بالفقهاء المتأخرين ومتأخّري المتأخّرين لا يرتضون جزئيّتها ، وفي الوقت نفسه يذهبون إلى جوازها .
وإنّ مطالبة البعض بنقل تواتر الأخبار واشتهاره بين الفقهاء في كلّ الأزمان حتّى تصير سيرة متصلة بعصر النص ممّا يأباه العقل ، لأنّ الحكومات الظالمة كانت تقتلنا وتدفننا أحياءً بين الجدران وأنّ وصول أمثال هذه الروايات الشاذّة قد كلَّفنا الكثير ، فكيف يريد هذا البعض نقل التواتر على ما ندّعيه وخصوصاً نحن لا نريد إثبات الجزئية ؟ !
* أمّا ابن البرّاج ( ت ٤٨١ هـ ) فهو أوّل من أفتى باستحباب الشهادة بالولاية ولكن على نحو قَوْلها في النفس ، وفي مثل هذه الفتوى نقلةٌ نوعيّة من فتوى الجواز عند السيّد المرتضى والشيخ الطوسي إلى القول بالاستحباب بها في النفس ، والمناطُ واحد في الجميع وهو التبرّك والتيمّن .
والمثير للانتباه أنّ ابن البرّاج قيّد الشهادة الثالثة بالعدد أعني المرَّتين ، ومعلوم بأنّ مثل هذا القيد يستبعد أن يكون عن حدس واجتهاد ، بل هو مبتَن على وجود رواية قد شاهدها ابن البراج عن حِسٍّ ، إذ يلوح من التقييد بعدد مخصوص التوقيفيَّةُ ، والتوقيفيّةُ لا يناسبها إلّا الأخبار والروايات ، يشهد لذلك أنّ جملة « محمّد وآل محمّد خير البرية » هي عينها التي جزم الشيخ الطوسي بورود الأخبار الشاذّة بها ، وشهادة الصدوق بأنّها موضوعة ، ومعنى هذا أنّ هذه الأخبار ليست بشاذّة عند ابن البراج ولا موضوعة .
وممّا يجب التنبيه عليه أنّ الاستحباب عند ابن البراج لا علاقة له بماهية الأذان إلّا للتبرّك والتيمّن ، بقرينة الشهادة بها في النفس ، بل نحتمل قويّاً أنّ كلامه قدسسره كان ناظراً إلى أمثال حسنة ابن أبي عمير ، فأراد تفسير الحيعلة الثالثة بما أفتى به .