وهذا الكلام يدلّنا على أنّ فقهاءنا يتعاملون مع المسائل بروح علمية موضوعي بعيداً عن الطائفية ، فيناقشون المشايخ من قبلهم ، ولا يهابون أن يقولوا بعدم حجيّة الأخبار الشواذّ عندهم ، وذلك لأنّ محبوبيّتها الذاتيّة والإتيان بها لمطلق القربة تبعاً للعمومات ما لا ينكره أحد .
فالشيخ النراقي أراد الإشارة إلى إمكان القول باستحبابها في السنن ، أمّا القول بكونها جزءاً مستحباً فبعيد جداً عنده .
هذا ، ونحن لا نرتضي استدلال الشيخين كاشف الغطاء والنراقي رحمهما الله في حذف كلمة ( الولاية ) من الأذان ، لأنّ كلمة الولاية وردت في غالب رواياتنا ، فلا يمكننا أن نتغاضى عما فيها من دلالات ومفاهيم عرفها المتشرّعة ، أو نرفع اليد عنها ، لأنّ معناها معروف عندنا ـ بل وعند العامّة ـ بمعنى الأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، لقوله صلىاللهعليهوآله : في يوم عيد الغدير عن علي عليهالسلام : « هو أولى بكم من أنفسكم » (١) ، وإن كان الآخرون يريدون أن يتغافلوا عن معناها أو يستفيدوا منها شيئاً آخر ، فهذا لا يعنينا بل يعنيهم ؛ فالمؤذّن الشيعي حينما يقول هذه الجملة في أذانه يريد أن يبوح بما يعتقد به في أئمته ، وهي الرئاسة والزعامة والخلافة المنصوبة من قبل الله للأئمّة المعصومين عليٍّ والأَحد عشر من أولاد رسول الله ، وإن كان الآخرون يحاولون التنكُّر لها ، لكنّهم يعرفون معناها تماماً على الأقلّ من وجهة نظر الإمامية ، وذلك كاف في إظهار شأنه عليهالسلام ورجحانه الذاتي ، وردّ المخالفين وإرغام أنوف المعاندين .
فلو أذعنّا لِما يتأوّله المعاندون ، ويحرّفه المحرّفون للزمنا أن نرفع اليد عن غالب المشتركات اللفظية الاخرى ، كلفظة « الإمام » المخصوصة عندنا بالمعصومين من
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣ : ١٣ / ح ٦٢٧٢ ، قال صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، قال الذهبي في تعليقه : صحيح .