وعملاً ، وهذا ما لا نشاهده عند الأديان الأخرى ، فهو الدين السماوي الوحيد الذي يلخّص أصول عقيدته كلّ يوم عدة مرات ـ في هذه الشعيرة ـ لتكون تذكرة لمتّبعيه ، وإعلاماً للآخرين بأصول هذا الدين .
فالأذان إذن يحمل في طيّاته معاني سامية ، وله آثار كثيرة في الحياة الاجتماعية غير الإعلام بوقت الصلاة ، كالتأذين في أُذن الصبي عند ولادته ، ولإِبعاد المرض عن المبتلين ، ولطرد الجنّ ، ولرفع عسر الولادة والسقم ، ولسعة الرزق ، ولرفع وجع الراس ، وسوء الخلق ، ولمشايعة المسافر . . إلى غيرها من عشرات المسائل التي ورد فيها نصّ خاص بالتأذين فيها .
وبما أنّ تشريع الأذان سماويّ وليس بمناميٍّ ـ حسبما فصلناه سابقاً ـ (١) وأنّه ليس إعلاماً لوقت الصلاة فقط ، فلا بدّ أن يحمل بين فقراته معاني سامية واُصولاً سماوية لا يرقى إليها شكٌّ قد أقرّها النبي وأهل بيته والقرآن ، ولأجل ذلك ترى منظومة العقائد الإلهيّة مترابطة في الأذان ترابطاً وثيقاً في المفاهيم والأعداد .
وكذا بين فصوله ترى تصويراً بلاغياً رائعاً ، فالمؤذّن بعد أن يشهد لله بالوحدانية مرتين : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله » تقابلها الدعوة له بالصلاة لربه مرتين : « حي على الصلاة ، حي على الصلاة » معلماً الشارع المكلّف في الفقرة الثانية بأن الشهادة لله لا تكفي إلّا من خلال عبادته وطاعته ، لأنّ الصلاة لا تؤدَّى إلّا لله .
وانّ اللفّ والنشر الملحوظ بين الشهادة الأولى والصلاة لله يعلمنا بأنّ الله هو الأول والآخر في كل شيء ، تشريعاً وتكويناً ، لأنّ بدء الأذان بكلمة « الله » وختمه بكلمة « الله » ليؤكّد بأنّ كل الأمور مرجعها إلى الله ، وأنّ كل ما أُعطي
__________________
(١) في كتابنا « حي على خير العمل الشرعية والشعارية » : ٥٩ وما بعده .