الجماعة مستحسناً إيّاها حتى قال : نِعْمَ البدعة هذه (١) ؛ فعمر قد استحسن ما قبّحه النبي ، وقبّح ما جاء عن النبي صلىاللهعليهوآله .
وفي الحقيقة فهذه المرتبة أقبح مراتب البدعية في الدين ؛ لوجود نهي نبوي في ذلك . بل حتى مع عدم وجود مثل هذا النهي ، فالشريعة لا تجيز لنا الاستحسان ولا ما يسمّى بالمصالح المرسلة والرأي بنحو عامّ ، لوجود نهيٍّ فوقانيّ قرآني يمنعنا من العمل بالظن لأنّه لا يغني من الحق شيئاً .
وفيما نحن فيه ، فقد يقال بأنّ إدخال الشهادة الثالثة في الأذان هو تشريع قام على أساس الاستحسان أو المصالح المرسلة أو الرأي . . . ، ممّا هو باطل بأصل الشرع ، بل إنّ بطلانه من ضروريات المعرفة الإسلامية المستقاة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله وأهل البيت عليهمالسلام .
وتقريب ذلك : أنّ الأذان اُصوله معروفة ، وأجزاؤه معدودة معينة ، وروايات الأذان التي عليها العمل وإن اختلفت في عدد الفصول ـ كما ذكر الشيخ الطوسي ـ إلّا أنّها متّفقة على عدم دخول الشهادة الثالثة في أجزائه ، وإذا كان الأمر كذلك ـ وهو كذلك ـ لم يبق من مسوّغ للإتيان بها إلّا المصلحة الظنية ، وهو باطل ؛ لما عرفنا من أنّ كلّ هذه العملية تدور مدار الظن غير الشرعي الذي لا يغني من الحقّ شيئاً . وبناء على ذلك لا يجوز ذكر الشهادة الثالثة في الأذان ! !
ويجاب عن ذلك بأنّ أصل الإشكال صحيح ، لكنّه مجمل ، إذ لم يفرق الإشكال بين الذكرين الشّعاري والماهويّ ، ومعنى ذلك أنّ الإدخال الماهوي قد قام على أساس المصلحة فيه ، ويكفي أنّها ظنّية لتندرج فيما هو محرم ؛ إذ ليست المصلحة هنا ناهضة
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ : ٧٠٧ / ح ١٩٠٦ ، صحيح بن خزيمة ٢ : ١٥٥ / ح ١١٠٠ ، الجمع بين الصحيحين ١ : ١٣١ / ح ٥٧ ، من افراد البخاري .