في أحوال الرجال في القرن الثالث أو الرابع الهجري .
وبعد هذا لنا الآن أن نتساءل : لو كان هذا هو وضع بغداد وقم عقائدياً ، فكيف يمكن أن ننسب الغلوّ والتفويض إلى البغداديين ؟ ! مع ما عرفنا عنهم من أنّهم اقرب إلى العامّة مكاناً وفكراً ، وذلك لمخالطتهم لأفكار المعتزلة والمرجئة وغيرها من الأفكار السائدة آنذاك في بغداد .
وفي المقابل كيف يمكننا تصوّر التقصير في أهل قمّ ؟ ! مع وقوفنا على كثرة المرويّ من قِبَلِهِمْ في مقامات الأئمّة ، واهتمامهم المفرط بالأخذ عن الثقات . والتعريفُ بكتاب « بصائر الدرجات » لمحمّد بن الحسن بن فروخ الصفار القمّي ( ت ٢٩٠ هـ ) من أصحاب الإمام العسكري ، كاف لإعطاء صورة عن المنزلة المعرفيّة لأهل قمّ ، إذ قد يتصور أن فكرة الغلوّ والتفويض هي أقرب إلى القميين من البغداديين ، وذلك لوضوح الارتفاع في مروياتهم عن الأئمّة ، في حين أنّ الأمر ينعكس فيما يقال عن البغداديين ـ أو قل عن غير القميين ـ أنّهم غلاة ! !
فقد ذكر الصفار في كتابه أحاديث كثيرة فيما أخذ الله من مواثيقَ لأئمّة آل محمّد (١) ، وأن رسول الله والأئمّة يعرفون ما رأوا في الميثاق (٢) ، وأنّ الله خلق طينة شيعة آل محمّد من طينتهم (٣) .
وقد روى كذلك ١٦ حديثاً في أنّهم يعرفون رجال شيعتهم وسبب ما يصيبهم ، و ١٢ حديثاً في أنّهم يحيون الموتى ويبرؤون الأكمه والأبرص بإذنه تعالى ، و ١٩ حديثاً في أنّ الأئمّة يزورون الموتى وأنّ الموتى يزورونهم ، و ١٤ حديثاً في أنّهم يعرفون متى يموتون ويعلمون ذلك قبل أن يأتيهم الموت .
__________________
(١) بصائر الدرجات : ٩٩ / الجزء الثاني / الباب : ١١ .
(٢) بصائر الدرجات : ١٠٠ / الجزء الثاني / الباب : ١٢ .
(٣) بصائر الدرجات : ٣٦ / الباب : ٩ .