إنّ رواية القميّين أحاديث عن المفضّل بن عمر ، ومحمّد بن سنان ، وسعد الإسكاف ، والنوفليّ ـ المتّهمين بالغلوّ والتفويض ـ بجنب الرجال الذين لا كلام فيهم من أصحاب الأئمّة ، ليؤكّد أنّهم لم يختلفوا مع تلك الروايات وما جاء فيها من افكار ، بل إنّ اختلافهم كان لأصول رسموها لأنفسهم في الجرح والتعديل انطلاقاً من حرصهم وتشدّدهم المبرّر للحفاظ على تراث المذهب ، أو لظروف التقية التي كانوا يعيشون فيها ، وبعبارة أخرى : خاف علماء قم من نشر الروايات التي يعسر فهمها على غير العلماء حتى لا تترتب مفاسد علمية وعقائدية في المجتمع الشيعي ، لأن اساءة فهم هذه الروايات ، قد يستغل من قبل اعداء المذهب للطعن فيه .
إذن المنع لم يكن لبطلان تلك الاخبار أو لمخالفتها لأصول المذهب بل كان لاعلانها والجهر بها بين عامة الناس ، أو لمخالفتها لاصول لا يفهمون ابعادها فيسيئون فهمها ، ولاجل ذلك ترى المحدثين كالصدوق والكليني رحمهما الله لم لم يتداولاها بشكل واسع في مصنفاتهم وانحصرت ببصائر الدرجات وأمثال ذلك في العصور اللاحقة .
وعليه فإن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريَّ لما أعاد البرقيَّ أراد أن يوقفنا على أنّ القرار كان مقطعياً بتصور ان البرقي لم يتثبّت في نقل الرواية أو لأي شي اخر ، والان قد ارتفعت ، فقد ذكر السيّد بحر العلوم في رجاله (١) والخوانساري في الرّوضات (٢) أن الاشعري مَشى حافياً في جنازة البرقي كي يصحح موقفه وكي لا يلتبس الامر على الاخرين وغرضه من ذلك قدسسره توثيق البرقي حتى لا تضيع رواياته التي هي معتمد المذهب ؛ وفي الوقت نفسه التأكيد على حرصه على المذهب
__________________
(١) الفوائد الرجالية ١ : ٣٣٩ .
(٢) روضات الجنات ١ : ٤٤ ـ ٤٥ وهو في خلاصة الاقوال : ٦٢ / القسم الاول / ت ٧٣ .