في مثل الستر شرط لصحّة الصلاة ، وفي مثل لبس أجزاء ما لا يؤكل لحمه حال الصلاة مانع عن صحّتها يستلزم كون المتأخّر عن التكليف متقدّما عليه لأنّه متى لم يجعل الوجوب للصلاة فلم يجعل الاستقبال والستر شرطين لصحّتها ، والمتقدّم عليه متأخّرا عنه لأنّ الأمر المنتزع متأخّر عن منشأ الانتزاع ، كما لا يخفى.
وأمّا بطلان القول المشهور ، وهو عدّ القول الأوّل ، فلأنّ هذه الأشياء لو كانت مجعولة بالاستقلال للزم الخلف ، إذ لو كانت دائرة مدار الجعل المستقل كما قال به المشهور فيلزم حينئذ امتناع انتزاعها عن غيرها وللزم اجتماع المتقابلين والحال انّه لصح انتزاعها عن غيرها وان لم تنشأ السببية للدلوك والشرطية للاستقبال والستر والمانعية للبس أجزاء ما لا يؤكل ، بل انشئ الوجوب للصلاة عند الدلوك بأن قال المولى : إذا زالت الشمس فصل الظهر وإذا صلّيت فاستقبل القبلة وإذا صلّيت فلا تلبس أجزاء ما لا يؤكل لحمه.
ولا ريب في أن المنشأ هو الوجوب للصلاة عند الدلوك ويصح انتزاع السببية للدلوك من نفس هذا الانشاء وانتزاع الشرطية للاستقبال والستر من نفس هذا الانشاء وكذا الكلام في المانعية حرفا بحرف ، ولكن يلزم عدم صحّة انتزاع السببية للدلوك ان لم يترتّب وجوب الصلاة عليه ، أي على الدلوك ، وإن انشئت السببية له ، ويقال ان الدلوك سبب لوجوب الصلاة فالسببية فرع الوجوب.
وبعد وضوح بطلان هذين القولين يتعيّن المصير إلى القول الثالث وهو عبارة عن كون منشأ انتزاع السببية والشرطية والمانعية والرافعية هي الخصوصية الذاتية القائمة بذات السبب والشرط وعدم المانع وعدم الرافع وكل واحد منها من أجزاء العلّة ، إذ لو لم تكن تلك الخصوصية الموجبة للربط الخاص بين السبب والمسبّب الذي هو يقتضي لتأثير السبب في المسبب لأثر كل شيء في كل شيء ، وذلك كتأثير الماء في الاحراق والنار في التبريد.