وبحكم العقل في هذا المقام على نحو القطع والبت ، ولا يحتمل خلافه حتى اذا كان احتمالا ضعيفاً غاية الضعف ، احتمال الواحد من مليارد.
الثاني : أن يتعلق اليقين بأحد طرفي القضية ولكنه لا يجعل الطرف المخالف ممتنعاً بالذات كما في الأمثلة المتقدمة ، بل لو ترك الانسان ونفسه ليغور في اعماق ذهنه ربما عدّ خلافه ممكناً ، ولكنه احتمال ضعيف غاية الضعف ، لا يتوجه اليه الانسان العادي أبداً ، ولا يزاحم يقينه أصلا ، وذلك نظير ما يقول العلماء في حق الخبر المتواتر ، فقد عرفوه بانه اخبار جماعة عن شيء يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب.
فلو اخبرنا مأة شخص متفرقين من حيث الشخص والشخصية قاطنين في نقاط مختلفة من البلد غير مرتبط بعضهم ببعض ، بموت زید مثلا ، فان الانسان يتيقن بتلك القضية ، وبعد تواطؤهم على الكذب محالا عادياً ، وبما أن تواطؤهم على الكذب ليس محالا ذاتياً بل هو محال عادي ، لا ينتفي الاحتمال المخالف بتاتاً بل يبقى في اعماق الذهن بصورة الأمر المحتمل ، ولكن تحقق هذا الاحتمال لما كان ضعيفاً غاية الضعف لا تقبله النفس أبداً ، يعد كالمعدوم ولا يزاحم اليقين.
ولو ان امثال هذا الاحتمال كان مزاحماً لليقين لما حصل للانسان أي يقين في كثير من الحالات حتى في أوضح الواضحات.
فلو رأى الانسان أباه أو أخاه في السوق والشارع أذعن بانه أبوه أو اخوه اذعاناً قطعياً يقينياً ، ومع ذلك كله يحتمل أن يكون تحت السماء وعلى أديم الارض انسان في صورة والده في جميع خصوصیاته ، وان يكون الذي شاهده هو شبيه والده لا والده حقيقة ، فان هذا الاحتمال ليس أمراً منفياً بالذات والاصالة ولكنه مع ذلك كله لا يزاحم يقين الانسان واذعانه ولا يرتب عليه أثراً.