أ ـ الرابطة الطبيعية بين الانسان والعقيدة
أن التدين ، والاعتقاد بقول عليا وراء العالم المادي قضية فطرية ، تنبع من عمق الفطرة الانسانية كما تعرف ذلك في بحث دلالة الفطرة على وجود الله ، في فصل «الأدلة على وجود الخالق».
فستعرف هناك أن الأدلة القديمة والحديثة تؤكد ان التدين والانجذاب نحو قوة عليا والخضوع لها هو أحد الأبعاد الأربعة في النفس البشرية والتي هي عبارة عن «غريزة حب الجمال ، وحب الخير ، وحب الصدق ، وغريزة التدين» ، وان هذه امور متأصلة في الطبيعة الإنسانية ، كالميل إلى الزواج والمال والجاه ، بمعنى انها تولد معه ولا تنشأ بتأثير عامل خارجي طارئ ، وتنمو شيئاً فشيئاً ، ولا تنعدم بفعل العوامل المضادة ، وان تنوعت مظاهرها وتجلياتها.
فكما لا يصح السؤال عن علة وجود ظاهرة الزواج ، أو سعي الناس الى تحصيل المناصب ، والثروات وما شاكل ذلك لكونها جميعاً اموراً طبيعية واقعية لا طارئة غير حقيقية ، كذلك لا يصح السؤال عن مبدأ نشوء التدين وظهور العقيدة في الحياة البشرية وعلة ذلك وغايته ، وأهدافه لان للمقيدة جذوراً فطرية في أعماق الانسان ، والانسياق وراء الدين تلبية طبيعية لنداء باطني نابع من أعماق الوجود البشري. وستقف على اثبات هذه الرابطة الطبيعية بين الانسان والاعتقاد بالقوة العليا في الفصول القادمة.
فلا يصح للباحث الاجتماعي أن ينحت لهذه الظاهرة عللا من لدن نفسه ، ويبحث عن عواملها في الاقتصاد وم شابه ذلك. لكون «التدين والاعتقاد بالله» أمراً واقعياً لا يقبل تفسيراً ولا تعليلاً ، بخلاف التشاؤم لرؤية الغراب أو نعيبه أو