به يفرط في هذا الجانب افراطة غريبة كانت نتيجته تحكيم «التجربة» حتى في المجالات العقلية الفلسفية كما كان نتيجة التفريط تحكيم «العقل» المحسض حتى في مجال العلوم الطبيعية والتجربية.
لاجل هذا قطع بعض العلماء الطبيعيين في الغرب على أنفسهم أن لا يقبلوا شيئا الا اذا اثبتته التجربة الحسية ، بأن يروه في المختبرات ، تحت المجهر والميكرسكوب ، أو تحت مبضع التشريح!!!
ولكنهم غفلوا عن أن الذي يقع في نطاق الحس والتجربة الحسية انتما هو «المادة» وآثارها ، وأما الموجود غير المادي فلا يقع في اطارها ونطاقها ، ولا يخضع للمشاهدة الحسية ، ولو خضع للتجربة والمشاهدة لكان غير ذلك.
اجل كان هذا هو احد الدوافع للاعراض عن المفاهيم الدينية والقضايا الغيبية ، والاقبال على المادية.
ثم ان هناك عاملا آخر لاتخاذ هذا الموقف السلبي الرافض من المعارف الفلسفية الالهية وهو أن كل من توغل في علم ، وصرف حياته فيه صبغ ذلك العلم شخصيته الفكرية والنفسية بصبغته بحيث لم يعد ينظر الى الاشياء الا من زاوية ذلك العلم الذي اشرب به وجوده ، وبحيث يعتبر ذلك العلم محوراً لتقييم كل ما يحيط به من الامور.
وبعبارة أخرى : أن الذمن الانساني قد يصبح بسبب التركيز على علم أو شيء معين ذا بعد واحد ، فلايرى الاشياء الا من خلال ذلك البعد ، ولا يفسر الأمور الا من خلال ذلك المنظار.
فمن شغلت المسألة الاقتصادية فكره وعقله نظر الى جميع الأشياء من زاوية اقتصادية ، وفسر جميع الاحداث تفسيراً اقتصادياً.
ومن شغلت السياسة فكر هو نفسه نظر إلى جميع الحوادث من هذه الزاوية