عاقبته أنه حرم مما طغى به وصار يوم القيامة أمام الجزاء الأليم ، بيد أن أولئك أصحاب الجنة وهى الحديقة المثمرة ، كانت لديهم فرصة الرجاء بعد الندم ، أما هؤلاء فقد فاتت فرصة الرجاء ولات حين مناص ، ولنذكر بعد ذلك ما نستطيع الإشارة إليه من النواحى البيانية.
٦١ ـ الصورة الأولى صورة الطمع المتغلغل فى النفس الذى ينسيها كل شىء ما عدا ما تطمع به النفس ، فقد قال تعالى : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ) (١٨).
اختبرهم الله تعالى بالطمع كما اختبر أصحاب البستان المثمر ، ونرى التشبيه هو ما يسمى التشبيه التمثيلى ، وهو تشبيه حال الطاغين المعتدين أن رأوهم استغنوا لأنهم ذوو مال وبنين ، فغلبهم الطمع ، حتى أوبأهم فى أسوأ الأحوال ، والعناد مع الله تعالى ـ بحال أهل الحديقة إذ غرهم الغرور فظنوا أنهم واصلون إلى ما يبتغون ، وأقسموا على ذلك غير مقدرين عاقبة ولا حسابا لما يأتى به الله تعالى ، والتشبيه بلا ريب للتقريب ، لا للمساواة ، لأن حال الكفار أشد عتوا وأبلغ غرورا ، وهكذا كل تشبيهات حال القيامة وما وراءها بحال ما يقع ، ليس للتساوى أو لأن المشبه به أبلغ فى وجه الشبه ، ولكن لتقريب الغائب بتصويره بالحاضر ، ومثل ذلك تصوير المعنويات بالمحسوسات ، وما يكون من جزاء وعقاب هو من المحسوسات ، ولكنه غائب.
وهنا فى النص نجد تصوير النفس الطامعة ؛ إذ إنها لشدة رغبتها تتصور محل الطمع واقعا لا محالة ، لذلك أقسموا جاهدين فى قسمهم ليصر منها ، أى ليقطعنها قطعا يستأصلونها من أدناها ، وهذا اللفظ فى هذا المقام أبلغ من القطع ، لأن الصرم قطع من الجذور ، أى هو قريب من القلع ، ولتصورهم استجابة لطمعهم أنهم واصلون أكدوا الصرم باللام ونون التوكيد الثقيلة ، ولشدة الطمع لم يتوقعوا تخلفا قط ، ولذلك لم يستثنوا فلم يقولوا إن شاء الله ، أولا ، لأن حرصهم ورغبتهم الجامحة أنستهم الله تعالى ، ولأن تطلعهم إلى ما تهوى أنفسهم لم يجعل لاحتمال التخلف موضعا فى عقولهم ، وكانت اللهفة والحرص على التنفيذ قد جعلاهم معجلين التنفيذ ، فهم يبكرون به مصبحين غير متلبثين ولا متأخرين ؛ لأن القطع أمر محبوب لا يرون معه إبطاء ولا تريثا ، بل يستعجلون ما يريدون ، بل ما يهوون.
وقد صور الله سبحانه وتعالى غفلتهم عما يقدره الله تعالى ، مع أنه متحقق ، فهم يقدرون ويرغبون ، ويستعجلون ، والله من ورائهم محيط ، وقد صورت الآية الكريمة قدر الله تعالى بقوله تعالت كلماته : (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٢٠) ، الطائف العارض الذى يعرض ليلا من ريح صرصر عاتية ، أو عواصف تقتلع الأشجار ، وتلقى بالثمار ، وهذا الطائف بأمر الله تعالى ، فكل شىء فى الوجود بإرادة الله تعالى القدير ، والصريم الأخشاب المتراكمة ، أو الأشجار القائمة