المصروم ثمرها المقطوع منها ما أينعت ، وهذا بلا شك تصوير بين لما يجريه الله تعالى فى الأرزاق ، ومهما يقدر الإنسان فى كسب الرزق ويحاول التحكم فيه ، فإن الله تعالى فوق ما يقدر.
ونرى من هذا تصوير ما فى نفوسهم ، وبيان ما يحيط بهم فى بيان متماسك فى ألفاظه ، متآخ فى معانيه.
٦٢ ـ ولقد صور سبحانه وتعالى صورة الحرص ومنع الخير فى أعنف صوره النفسية ، فقال تعالت كلماته : (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) (٢٤).
أنزل الله بالحديقة ما أنزل وهم لا يعلمون ، فكان حرصهم على ما هو عليه ، وتعجلهم لجنى الثمار ، كما هو ، وقد صور الله تعالى ذلك بذكر حالهم أنهم تنادوا ، أى نادى بعضهم بعضا مجمعين على ما أرادوا ، أن أصبحوا فى الغد مبكرين على زرعكم وثماركم الذى حرثتم أرضه ، وأصلحتم ثمره ، إن كنتم تريدون قطعه ، وقطف ينعه. ويلاحظ أن التعبير بصارمين ، فيه معنى الإرادة الصارمة للقطع الذى لا ريب فيه.
وإن معنى التعجل والحرص قد أكد بقوله تعالى حكاية عنهم : (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) (٢٤) هذه النصوص تصور اجتماعا وافتراقا ، فقد اجتمعوا على نية القطع ، واجتمعوا على المسارعة فيه ، واجتمعوا على أمر خبيث لم يعلنوه ، ولكن اتفقوا عليه فى تخافت وإسرار ، واجتماع على تلك النية الخبيثة ، وإن كلمة يتخافتون تصوير لحالهم الحسى ولأمرهم النفسى ، ولمعنى المنع ، فإن الامتناع عن الخير لا يكون إلا بإصرار النفوس والتفاهم فى سر ، ولا يكون فى جهر ، فتخافتوا على ألا يعطوا مسكينا ، وعبر عن المنع عن إعطاء المسكين بمنعه من الدخول ، فهم لا يمنعون العطاء فقط ، بل يمنعونه من الدخول نهيا مؤكدا وبإصرار على المنع ، ولو بالدفع أو القهر ، فضلا عن الطرد والنهر ، وإغلاق الأبواب وإقامة الحراس المانعين ، وأكدوا تنفيذ فكرتهم بما حكى الله عنهم من تأكيد المنع بالنون الثقيلة ، هذه أحوال اجتماعهم ، أما افتراقهم فهو دخولهم على الحديقة ، متفرقين كل فى جانب منها ، ودل على ذلك قوله : (فَانْطَلَقُوا) فهم ذهبوا ليقطعوا ويجمعوا ، كل فى جانب ، تجمعهم فكرة التعجل والتصميم والإلحاف فى منع المساكين ، وقال تعالى فى تصوير تعجلهم مع سيطرة فكرة المنع عليهم (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) (٢٥) فغدوا معناها أقدموا فى باكورة الغداة ، والحرد معناه المنع والتشدد فيه ، والمعنى أنهم أصبحوا قاصدين القطع ، ومعتزمين المنع من حق الفقير بل منع دخوله ، وموضع قادرين هنا هو وصفهم بالقوة على العمل والتنفيذ والمنع بكل الوسائل.