الإنسان الكامل ، فهم ضعفاء ، وإن ظهروا كأنهم الأقوياء ، فجنود السلطان الغاشم لا يعتبرون الأقوياء ، لأنهم أداة طائعة ، وإمعات طامعة.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ذكر الضعفاء تمهيدا لبيان مظاهر الطغيان الذى يفعله الملوك مع من يتحكمون فيهم بحكم الهون والفساد ، لا بحكم المصلحة والرشاد ، وأنهم يرتكبون أقصى ما تتصوره العقول من تذبيح وتقتيل ، ولذا قال تعالى (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) ، وإن ذلك شأن الطغيان دائما ، يقتل نخوة الأمة بقتل شبابها. أو زجهم فى غيابات السجون من غير أمد ، ومن غير حكم ، كما رأينا فى حكم الدكتاتورية فى ألمانيا ، وفى إيطاليا ، وهكذا ، وقد رأينا مثل ذلك فى العراق.
وقد ختم الله تعالت كلماته النص السامى بالباعث على الطغيان والتحكم والاستعلاء ، وتفريق الأمة ، فقال : (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ، أى أن الفساد مستحكم متغلغل فى أطواء نفسه ، وقد بعثه على جعل الأمة متفرقة ، وتحكيم طائفة فى طائفة ، فأغرى بينهم العداوة والبغضاء ، يحس كل فريق منهم بأنه مظلوم ، وظالمه هو الفريق الآخر ، يتظالمون فيما بينهم ، ويتعادون ، ليتمكن الظالم من ظلمهم والتحكم فى رقابهم ، وأن يقول لهم : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ، ولا ينكر أحد ، ولو فى قلبه ؛ لأن كل فريق يتهم الآخر بأنه عين عليه ، ويريد النكاية به.
وقد أكد سبحانه وصف الإفساد فيهم بأن وبكان الدالة على أن الفساد كان فى الماضى ، ومستمر فى الحاضر ، وببيان أنه داخل فى ضمن المفسدين فى الأرض إخوان إبليس ، وينطبق عليه قوله تعالى فى شأن الظالمين الذين يمنون الناس الأمانى ويكذبون ويخلفون ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) (٢٠٦). [البقرة : ٢٠٤ ـ ٢٠٦]
وإن هذا الوصف الذى ساقه الله تعالى للوالى الفاسد ، هو وصف فرعون ، ومن استعلى واستكبر ، ووصف لكل طاغية من طغاة الدنيا يمنى الناس الأمانى ، حتى إنه ليصور لهم أنه سيجعل لهم الأرض نعيما ، وخيراتها لبنا وعسلا ، حتى إذا حكم تحكم ، وكانت شهوته نظاما ، وهواه حكما ، ولا بد أن يرضى الناس حكومته طوعا أو كرها ، ومن قال له اتق الله قطع عنقه ، أو سلط عليه كلابه الذين جعلوا أنفسهم ملكا له ، يملك رقابهم ، ويظنون أنفسهم الأحرار ، وهم العبيد حقا.
٦٧ ـ هذا ما تصوره الآيات فى وصف فرعون وأمثاله من الطواغيت الذين يظهرون فى العصور المختلفة ، وإذا لم يتسموا باسم فرعون ، ففيهم صفاته وفعاله ، وفى