أتباعهم أوصاف أتباعه ، والمستضعفون مأكولون فى عهودهم ، كما هم مأكولون فى عهده.
وبعد تصوير الله تعالى طغيان فرعون ، كان من نسق البيان الرائع أن يذكر نهايته ، وأنه إذا وصل الطغيان إلى أقصى حده ، كانت النهاية ، لذا ذكر سبحانه وتعالى فى مقابل إرادته الإفساد ، وكونه متغلغلا فى كيانه ذكر فى مقابله إرادة الله تعالى ، وإرادته سبحانه فوق كل إرادة ، ولو كانت طغيان فرعون ، ولذا قال سبحانه فى بيان إرادته (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (٦). [القصص : ٥ ، ٦]
إرادة طاغية مغرورة مستكبرة ، وهى إرادة الطغيان ، وإرادة كريمة معطية مانحة مانعة من الشر والعبث ، وهى إرادة الله سبحانه وتعالى ، فهو سبحانه يمن على المستضعفين ، ونجد هنا تعميما فى المن ، فلم يذكر سبحانه وتعالى ما يمن به ، بل كان التعميم ، فهو سبحانه يمن عليهم بالحرية بعد الاستعباد ، ويمن عليهم بالقوة بعد الضعف ، ويمن عليهم بالعزة بعد الذلة ، ويمن عليهم بالثمرات بعد الجدب ، وهكذا تتعدد النعم التى يمن بها سبحانه (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : ٣٤]. وكل هذه المعانى هى بعض ما تدل عليه كلمة نمن ، وخص سبحانه من بين هذه النعم التى يمن بها نعمة كبيرة هى الخلاص من حكم فرعون إلى أن يكونوا أئمة ، أى ولاة لأنفسهم لا يملك أحد التحكم فيهم ولا السيطرة ، فكل حر أمير فى نفسه ، ويجعل منهم أمراءهم وأولياء أمورهم ، لا يفرض عليهم أمير لا يرضونه ولا ولى من غيرهم ، وآراؤهم فى حكمهم هى الغالبة فلا يحكمهم متحكم ، ولا يسيّر أمورهم متغلب ، فانظر كيف جمعت الكلمة كل هذه المعانى ، وجاءت من بعد ذلك كلمة تدل على كمال إرادته سبحانه فى هذا الوجود فقال : (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) ، ونجد أنه سبحانه لم يبين الموروث ، وفيه إشارة إلى عموم ما آل إليهم ، إذ إنهم سيخلفونه فى جنات وعيون ، وكنوز ومقام كريم ، ولكن يكون لهم هذا إذا استقاموا على طريقة الحق ، ولم يخرجوا عن جادته ومنهاجه ، وغير ذلك.
بعد هذا يبين سبحانه وتعالى أن طغيان فرعون انتهى بالفناء وأن يذوق عاقبة أمره ، كما اغتر أصحاب الحديقة بحديقتهم المذكورة ، فقال تعالت كلماته :
(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).