التمكين كان بإعطاء سلطان لهم فى الأرض ، إذا استطاعوا القيام بحق التمكين ، فإنه يحتاج إلى قوى نفسية عالية وإدراك لمعنى العزة والكرامة ، ولم يمردوا على الذلة والمهانة.
ثم يبين سبحانه عاقبة الظلم ، وأنه لم يدفع المحذور ، فقال تعالى :
(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).
لقد كان فرعون وحده ، ووزيره وجنود معهما تابعين غير مستقلين فى فكرة أو إرادة فهم ما كانوا يحذرون أن يدبر الناس ما ينتقضون به على حكمهما ، أو يقتلوا فرعون فقد أراهم رب العالمين ، فكان موت فرعون على ما قدره الله تعالى لموسى عليهالسلام ومن معه ، وهكذا كل طاغية ، يطغى ويستبد ، ويرتكب الفجور فى كل ناحية ، حذر أن تخرج خارجة ، وبعد أن يكون منه ما يكون من مثل ما فعل فرعون ، ثم تكون من بعد كلمة الله تعالى هى العليا ، ويقع المحذور فى وقت لا يملك الرجوع ، كما قال فرعون ، وقد أدركه الغرق ، قال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (٩٢).
[يونس : ٩٠ ـ ٩٢]
٦٨ ـ وبعد ذلك البيان الذى حاولنا به الوصول إلى بعض أسرار المعانى القرآنية التى تعلو ولا يعلى عليها ، واليانعة الثمار الدانية القطوف فى أعلاها ، والثروة الخصبة المملوءة حياة فى أدناها ، كما قال البليغ العربى القرشى ، نريد أن نشير إشارة إلى ما وصل إليه تفكيرنا فى إجمال ما سبق ، فنجد :
أولا : اتساق العبارة فى المقابلة بين العلو المصطنع والالتصاق بالأرض ، الذى يفيد مع هذه المقابلة اللفظية أنه سيطر على الأرض واستمكن فيها وتحكم حتى ساغ له أن يقول : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف : ٥١].
ثانيا : أن التعبير باستضعاف طائفة منهم فيه إشارة إلى أن الضعف ليس طبيعيا فطريا ، ولكنه يكون بالاستضعاف ، وأن كل من يراد على الضعف لا يستسلم فيستضعف ، بل يقاوم ويناضل ، فيموت عزيزا ، أو يمنحه الله تعالى القوة ، وأن الرضا بالذل يؤدى إلى الموت ، وطلب العزة يؤدى إلى الحياة ، وكما قال خليفة رسول الله أبو بكر رضى الله تعالى عنه : «اطلب الموت توهب لك الحياة».
وثالثا : أن الاستضعاف يؤدى إلى الموت لا محالة ، ويكون الموت على نحو لا كرامة فيه ، وصوره سبحانه وتعالى بقوله تعالى : (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) ،