فى الموضوع فى أحيان كثيرة ، وفى التوجيه النفسى ، والتوالد المعنوى بينهما بحيث لا يتصور القارئ للقرآن الكريم ، أو المستمع لترتيله والمدرك لنغمه ؛ لا يحسب أن بينهما فارقا زمنيا فى النزول.
وبجوار طول السور وقصرها ، مع الإعجاز فى كلها قد نجد فى القرآن تكرارا ، وهو من تصريف البيان ، لا من الإطناب المجرد ، إنما هو لمقاصد ولتوجيه النظر ، ومناسبة المقام ، ولقد لاحظ ذلك الأقدمون الذين تكلموا فى سر الإعجاز ، وقد قال فى ذلك الجاحظ فى كتابه الحيوان :
«ورأينا الله تبارك وتعالى إذا خاطب العرب والأعراب أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحى والحذف ، وإذا خاطب بنى إسرائيل أو حكى عنهم جعله مبسوطا وزاد فى الكلام».
وإنا نقدر كلام الجاحظ حق قدره ، وإن ذلك واضح فى كثير من آى القرآن ، وإن الأعراب الذين يعتمدون على ذاكرتهم لأنهم أميون يناسبهم الكلام الموجز ، وأحيانا يغنى فيهم لمح القول ولحنه وإشاراته ، ولكن نلاحظ ثلاثة أمور :
أولها ـ أنه قال : وزاد فى الكلام ، وإنا لا نحسب أن هذه الكلمة تتفق مع بلاغة القرآن ولا مقامه ، فليس فى القرآن زائد ، وإن أطنب فى القول ؛ لأن الزيادة تتسم بالحشو ، ومحال ذلك فى أبلغ القول الذى نزل من عند الله تعالى ، ولعله أراد معنى البسط والإطناب ، لا أصل الزيادة ، ولا يمكن أن يكون قد أراد الحشو ، ولكن مع كل نقول : هذه العبارة ليست سائغة.
الثانى ـ أن الآيات المكية ، وقد كان الخطاب لعبدة الأوثان ، فإنا نجد فيها بسطا فى القول ، وخصوصا فى الاستدلال من الكون على أن الله سبحانه وتعالى خالقه ، وفى الاستدلال بعجزهم ، والالتجاء إليه سبحانه :
اقرأ قوله تعالى : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٦٤). [النمل : ٦٠ ـ ٦٤]