وإذا كنا قرأنا آيات الزواج وتكوين الأسرة ، فلنقرأ حكم الله إذا تنافر ودها ، وأصبح التفرق بينهما أمرا لا بد منه : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) فقد قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤) ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٥) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (٧) [الطلاق : ١ ـ ٧].
وترى من هذه النصوص القرآنية أنها تضمنت أحكاما كثيرة ، تضمنت أحكام الطلاق وأحكام العدة ، وأحكام الرجعة ، وأحوال المعتدات ، وتضمنت بعض أحكام الرضاعة ، وأحكام النفقات بين الأزواج ، وخروج المعتدات من بيوتهن.
وهنا نلاحظ ملاحظة نفسية قد نبه إليها القرآن الكريم فى ألطف تعبير وأعطف نص ، وكأنه بلسم لشفاء نفس مجروحة ، قد أرثتها حرقة الألم بسبب الفراق ، ذلك أن الآيات موضوعها الطلاق ، وهو لا يكون إلا إذا تعذر الوفاق ، فالنفوس تكون مضطربة ، واليأس يكون مخيما ، والعلاقات تكون فى حال يائسة ، ولذلك نجد فتح باب الأمل لتلك النفوس التى اعتراها يأس من الحياة الزوجية السليمة ؛ إذ يقول سبحانه بعد وضع الحدود ، وأن من يتعداها يظلم نفسه (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) (١) [الطلاق : ١] ، ثم يبين سبحانه وتعالى العدة ، ويبين أنها فيصل تفرقة ، أو عودة ، وأن المطلوب إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، ويذكر أن الأمر قد يكون فى طياته ما يخرج النفوس من مضطرب الخلاف إلى متسع الوفاق ، فيقول سبحانه : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) [الطلاق : ٢] من ذلك المزدحم الذى تعترك فيه الأحاسيس والمشاعر بين عشرة طيبة أو فرقة لا ظلم فيها ، ويقول سبحانه وتعالى فى ذلك المقام أيضا : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (٣) [الطلاق : ٣] وبعد أن يبين سبحانه وتعالى العدة للآيسة