المقت) ، فمع أن الجاهلية ما كانت تحرمه بزعمها ، كانت تكرهه وتمقته ، ولا يفعله الكرام.
ولما جاء النص الكريم بتحريم الأمهات ، وهن الأصول من عل استشرفت النفس لمعرفة حال البنات ، أتحل أم تحرم ، فجاء التحريم فى وقت الاستشراف إليه ، والتطلع نحوه فكان البيان وقت الحاجة إليه ، وكذلك الأخوات وهن أولاد الآباء والأمهات والعلاقة بهن تلى العلاقة بالأولاد ، ثم جاء من بعد أولاد الأبوين ، وهن الأخوات ، أولاد الأجداد ، وهن العمات ثم الخالات فكانت كل طائفة ممهدة لذكر التى تليها ، تجذبها إليها بمقتضى تداعى المعانى ، كل معنى يدعو أخاه ، وكل واحدة تلتحم مع أختها فى تآلف لفظى ، وتآخ معنوى.
ولقد كانت المرضع تعد أما ، كالأم النسبية ؛ لأن هذه إذا كانت قد حملته فى بطنها ، وغذته من دمها جنينا فتلك قد وضعته فى حجرها وغذته من لبنها رضيعا وأنشزت عظامه ، وأنبتت لحمه ، كما كانت الأولى ، فكان من تداعى المعانى ، أن يذكر فى إيجاز غير مخل ، الأمهات الرضاعيات من أولادهن ، ومن التقى معه على ثدى واحد.
كان من مقتضى التناسق المعنوى أن تذكر بعد صلات النسب الصلات السببية ، وهى المصاهرة فابتدأ بأمهات الزوجات ، ثم اتجه الذهن بعد تحريم أمهات نسائكم إلى الربائب ، لأنه إذا ذكرت الأم تطلعت النفس إلى ذكر حكم البنت ، فذكر بعد تحريم أمهات الزوجات ما يتعلق بتحريم بنات النساء ، وهن الربائب ، وذكر حكمة التحريم وهى أنهن فى حجره وكبناته.
وإذا ذكرت أمهات الزوجات ، وبناتهن ، وزوجات الآباء ، يكون لتتميم القول ، ولما يستدعيه قانون تداعى المعانى أن تذكر زوجات الأبناء أهن حلال ، أم لا.
وهكذا نرى أن المعانى كل واحدة تدعوها السابقة فتلاحقها فى اتساق ونسق جامع.
وكل ذلك فى نغم متآخ ، وفى صورة بيانية من مجموع القول ، فعند ما تقرأ الآيات من أولها إلى آخرها ، تجد صورة بيانية ، لأسرة متكاملة ، ليس فيها تقاطع ، بل فيها تراحم ، وتواصل ومحبة ومودة ، فما كان ذلك التحريم إلا لتكون المودة هى الواصلة فلا يفحش ابن مع أبيه ، ولا يمقت ولد أباه ، ولا يعتدى أب على ابن.
وإن ما اختص به القرآن من تقابل بين الحقائق فى البيان ، وتوافق فى العبارات من غير منافرة ، ولا معاضلة ، متحقق ثابت لا مجال لإنكاره ، وما اختصت به العبارات من إشراق وضياء ، تجده منيرا حول الكلمات.