متفاوت ، بل هو نهاية البلاغة ، فعلمنا بذلك أنه مما لا يقدر عليه البشر ، لأن الذى يقدرون عليه قد بينّا فيه التفاوت الكثير عند التكرار وعند تباين الوجوه».
ونرى من هذا أن الإجماع على أن القرآن كتاب الله لا تتفاوت عباراته (١) لأنه من عند الله الذى لا تفاوت بين الأشياء عنده ولا فرق فى البلاغة بين ما كانت الحقائق فيه تذكرة مجردة عن التشبيه والمجاز.
ولنذكر بعض آيات الأحكام التى تذكر الأحكام مجردة ، اقرأ آية المحرمات قال الله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣) وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٥) [النساء : ٢٢ ـ ٢٥].
هذه آية من آيات الأحكام لم يستعمل فيها المجاز ، ولا التشبيه ، ومع ذلك هى بالغة من البلاغة حد الإعجاز القرآنى ، فالتآخى بين الألفاظ والمعانى ثابت ، حتى أن كل كلمة فيها حكم ، تومئ إلى التى تليها ، مع بيان الحكمة الشرعية ، والتعليل لبيان المحرمات التى حرمها وكانت حلالا فى الجاهلية فى زعمهم ، كزواج من كانت زوجة لأصل من أصوله ، وابتدأ بها سبحانه لما لها من خطر وشأن ، إذ يتبين تحريم ما أحلوا بزعمهم وما يبتدأ به الكلام يكون قوى التأثير ، وقد وصفه سبحانه بأنه فحش فى الواقع ، لأنه أمر غير مألوف فى الطبائع السليمة ، والأخلاق الكريمة ، وأنه ممقوت عند الناس لا يفعله رجل يألفه الناس ، بل يمقتونه ، ولذلك كان يسمى عند العرب (نكاح
__________________
(١) الإعجاز : ٥ ، ٥٦.