الكنايات فى القرآن كثيرة ، ولكنها تمتاز بإرادة اللازم والملزوم ، وفى ذلك كثرة المعانى مع إيجاز الألفاظ ، ولنضرب على ذلك بعض الأمثال نقتبسها من كتاب الله سبحانه وتعالى ، يقول الله تعالى فى وصف المتقين :
(وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (٦٣) [الفرقان : ٦٣].
هذا وصف حسى لمشيهم ولقائهم ، يمشون غير مسرعين ، ولا متباهين ، بل يمشون مشيا هينا لا سرعة فيه ولا إبطاء ، وإذا خاطبهم الحمقى ، لا يمارونهم ولا يجادلون ، فإن المراء يخل بالوقار ، وملاحاة السفهاء ليست من دأب العقلاء. هذا هو الظاهر وهو المراد ، ولكن المقصود مع هذا هو وصفهم بتقوى الله وخوفه ، والاطمئنان إلى عفوه ، فيلتقى الخوف بتكبير الذنوب ، مع الرجاء فى العفو والغفران.
والمعانى الثانية ملازمة للأولى ، فكان المراد ابتداء هو اللازم والملزوم فى ذاته ، ولكن السياق كان للثانى.
ومن الإشارات الكنائية التى أريد فيها اللازم ، وذكر الملزوم كان للدلالة عليه قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢) [يونس : ٦٢] فإن ذلك الكلام السامى فيه حكم على أولياء الله المخلصين له سبحانه بأنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وذلك مراد لا ريب فيه ، وذلك يلازمه أن يكونوا قريبين من ربهم ، قد أخلصوا له ، واستحقوا رضوانه. ومن يكون قريبا من حبيبه ، لا يخافه فى مستقبل ولا يحزن فيه على ماض وقع منه ، لأن المحبة تجعله قريب الرجاء فى الغفران ، والطمع فى الرحمة ، وقد بين سبحانه الطريق لمحبة الله تعالى ونيل رضوانه ، وهو التقوى ، فقال تعالت كلماته : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) [يونس : ٦٣ ، ٦٤].
ومن كلام الله تعالى فى التنزيل ما جاء عن وصية لقمان لابنه إذ قال تعالت كلماته :
(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (١٩) [لقمان : ١٦ ـ ١٩].