بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) (١٠) [الحاقة : ١ ـ ١٠].
إنك ترى فى هذه الآيات الكريمات ، وهى إنذار بما يكون يوم القيامة ، وما يستقبل الذين طغوا فى البلاد ، وأكثروا فيها الفساد ، من عذاب شديد يترقبهم ـ ترى فى النغم قوة شديدة قارعة لأسماع الذين يشركون ، ويكفرون بالله تعالى ، ويفسدون ، ويعتدون ، ويظلمون ـ ويشترك فى نغمة الترهيب الألفاظ بحروفها ، والجمل بكلماتها ، والخواتم بشدة جرسها ، وقرع الأسماع بها.
ثم اقرأ فى سورة الضحى نغمات الرحمة الواسعة ، إذ يقول سبحانه :
(وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (١١) [الضحى كلها].
وانظر إلى الآيات الداعية إلى التأمل فى الكون ، وما فيه من أمور هادية تجد فيها النغمات الهادئة اللافتة الموجهة من غير قرع للأسماع ، بل بتوجيه للأفهام ، اقرأ فى سورة الغاشية.
(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) (٢٦) [الغاشية : ١٧ ـ ٢٦].
وإنك ترى فى هذا النص المبين أنه قد اجتمع التأمل ذو النغمة الهادئة الموجهة من غير عنف ، فى جرس يسترعى الأسماع ويصرف الأنظار ، واجتمع الإنذار الشديد القوى ، ولم يكن ثمة تنافر بين الإنذار الشديد ، والتأمل السديد ، بل كان الانتقال من مقام إلى مقام لا يبدو فيه التباين ، وإن كان المقام الثانى إنذارا ؛ ذلك لأن الإنذار كالثمرة للتوجيه بالنسبة لمن لم تهده الآيات ، وتوجهه النظرات إلى الكون وما فيه.
وإنك إذ تنظر فى وصف الجحيم تجده فى نغم كأنما يخرج منه ريح السموم ، وإن وصف الجنة تجد فى نغمه أصواتا حلوة كأنها روح وريحان لأنها جنة ، واقرأ بعض السورة التى تلونا منها آنفا ، وصفا للجحيم ووصفا للنعيم ، فإنك واجد لا محالة الفرق