أكثر ، وإن كان قتل سبعين قد هال المؤمن الثاقب النظر عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وجزاه عن الإسلام خيرا.
وإن كان بعض الكاتبين ذكر أن الحفاظ للقرآن من الصحابة أربعة هم على بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه ، ومعاذ بن جبل ، وعبد الله بن مسعود ، وزيد بن ثابت ، فذلك ليس من قبيل الإحصاء ولا قبيل التعيين العددى فإن العدد أكبر من ذلك.
والأمر الآخر الذى يجب التنبيه إليه هو أن القرآن كله كان مكتوبا عند الصحابة ، وإذا كان لم يكن كله مكتوبا عند بعضهم ، أو عند واحد منهم بعينه. فإن ذلك لم يكن منفيا عن جميعهم ، فهو مكتوب كله عند جميعهم ، وما ينقص من عند واحد يكمله ما عند الآخرين. وهكذا تضافروا جميعا على نقله مكتوبا ، وإن تقاصر بعضهم عن كتابته كمّل الآخر ، وكان الكمال النقلى جماعيا وليس أحاديا.
وقد يسأل سائل : لما ذا كان الجامعون له فى الصدور كثيرين. وقد حفظوه كاملا غير منقوص ، ولم يوجد من جمعه فى السطور جمعا كاملا؟
ونجيب عن ذلك بجوابين :
أحدهما : من واقع حياة العرب ، فقد كانوا أميين ، والمجيد منهم للكتابة قليل ، وأدوات الكتابة غير متوافرة ، وما يكتب عليه غير معد لها ، فكانوا يكتبون على الأديم ، وعلى لخاف الأشجار ، وعلى العسب ، وغير ذلك مما لا يعد للكتابة ، فكان الغريب أن تكون كتابة ، فضلا عن أن تكون كتابة كاملة للقرآن عند الواحد من الصحابة ، وكتابته كاملة عند الجميع كانت بتوفيق الله تعالى ومن عنايته بكتابه الكريم.
والجواب الثانى : أن ذلك من عمل الله تعالى ، لأن الله تعالى العليم الحكيم جعل حفظ القرآن الكريم فى الصدور ابتداء وانتهاء ، وفى السطور احتياطا ، ولا تحريف ، وإن تواتر القرآن الكريم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكون كما تلقاه عن ربه العليم الحكيم ، والتواتر يكون بالتلقى فى الصدور لا فى السطور ، ولا يكون تواترا فى مكتوب إلا إذا قرئ المكتوب على من أخذ عنه وأجازه ، فالمكتوب يحتاج فى نقله إلى الإجازة القولية ، والإجازة القولية لا تحتاج إلى كتابة إلا بمقدار تسجيل الإجازة.
***
ترك محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم الدنيا والأمة على بينة من أمر القرآن ، قد استحفظوه ، وحفظوه ، وكتبوه وحمله رسول الحقيقة أمانة الخليقة ، وهو القرآن الحكم فى هذا الوجود الإنسانى ، فما ذا كان من بعده.