جمع القرآن الكريم بعد الرسول صلىاللهعليهوسلم
١٠ ـ انتقل النبى صلىاللهعليهوسلم إلى الرفيق الأعلى ، وقد حفظ عدد كبير من الصحابة يبلغ حد التواتر القرآن كله كاملا غير منقوص لم يتركوا منه كلمة إلا حفظوها ، وعلموا أين نزلت ، ومتى نزلت ، وعلموا معناها من صاحب الرسالة صلىاللهعليهوسلم ، حتى أنه ليروى عن عثمان بن عفان أنه كان يقول : كنا إذا حفظنا عشر آيات من القرآن سألنا الرسول صلىاللهعليهوسلم عن معناها فيبينها لنا.
ترك الرسول صلىاللهعليهوسلم لصحابته القرآن ، وهو أعظم ثروة إنسانية مثرية فى هذا الوجود ، وقد أدركوا حق الأمانة وأنهم حاملوها إلى الأخلاف من بعدهم كاملة كما تسلموها ، فكان حرصهم عليها أشد من حرصهم على أنفسهم ، لأنهم فانون وهى الباقية ، وهى تراث النبوة ، وسجل الرسالات الإلهية ، لذلك كانوا يحافظون عليها وعلى الذين حملوها فى صدورهم.
ولقد هال عمر بن الخطاب أنه قد استحر القتال بين المؤمنين الأولين ـ وكثير منهم من حفظة القرآن الكريم ـ. وبين أهل الردة فى موقعة اليمامة ، وقتل منهم فيما قيل سبعمائة كما جاء فى الجامع الكبير للقرطبى ، فأشار عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه على أبى بكر بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراء كأبى وابن مسعود وزيد ، فندبا زيد بن ثابت إلى ذلك فجمعه بعد تعب شديدة.
روى البخارى عن زيد بن ثابت قال : «أرسل إلىّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة ، وعنده عمر ، فقال أبو بكر : إن عمر أتانى فقال : إن القتل قد استحر يوم القيامة بالناس ، وإنى أخشى أن يستحر القتل بالقراء فى المواطن كلها ، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه ، وإنى لأرى أن يجمع القرآن ، قال أبو بكر فقلت لعمر : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم ،؟ فقال : هو والله خير ، فلم يزل يراجعنى حتى شرح الله لذلك صدرى ، ورأيت الذى رأى عمر ، قال زيد : وعنده عمر جالس لا يتكلم ، فقال لى أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك ، كنت تكتب الوحى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه. فو الله لو كلفنى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علىّ مما أمرنى به من جمع القرآن ، قلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم!! فقال أبو بكر : هو والله خير ، فلم أزل أراجعه ، حتى شرح الله صدرى للذى شرح له صدر أبى بكر وعمر».
اختار أبو بكر كما ترى فى رواية البخارى ورواية غيره من أصحاب الصحاح زيدا ليقوم مع من يستعين به من حفظة القرآن ، وكان اختياره لزيد لأسباب جمة :
أولها : ما اشتهر به بين الصحابة من العلم والفقه.