ونحن نميل إلى أن اتحاد المقاطع فى القرآن لا يعد سجعا ، لأننا نرى السجاعين يتجهون إلى الألفاظ أولا ، وقد يكون سهلا وحلوا ولكن الاتجاه فيه أولا إلى الألفاظ ، وذلك غير لائق بالنسبة للقرآن.
١٢٧ ـ وبذلك يكون الحكم فى أمر اتفق الطرفان المتخاصمان فيه على تقديس القرآن الكريم ، وتنزيهه عن أن يكون مشابها لكلام الناس ، وإن كان من جنسه ، ومكونا من حروفه.
ونختم الكلام بكلام لكاتبين مؤمنين قال أحدهما فى وصف ألفاظ القرآن ونظمه ، وقال الثانى فى فواصله ومقاطعه ، أما الأول فالباقلانى ، فقد قال :
«إن القرآن سهل سبيله ، فهو خارج عن الوحشى المستكره ، والغريب المستنكر ، وعن الصنعة المتكلفة ، وجعله قريبا إلى الأفهام ، يبادر معناه لفظه إلى القلب ، ويساوق المغزى منه عبارته إلى النفس ، وهو مع ذلك ممتنع المطلب عسير المتناول غير مطمع مع قربه فى نفسه ، ولا موهم مع دنوه فى موضعه أن يقدر عليه ، أو أن يظفر به ، فأما الانحطاط عن هذه الرتبة إلى رتبة الكلام المبتذل ، والقول المسفسف فلا يصح أن تقع فيه فصاحة أو بلاغة. فيطلب فيه. ولكنه أوضح مناره ، وقرب منهاجه ، وسهل سبيله ، وجعله فى ذلك متشابها متماثلا ، وبين مع ذلك إعجازه فيهم».
أما الثانى فهو الكاتب المؤمن مصطفى صادق الرافعى رحمهالله ورضى عنه فهو يقول فى فواصل القرآن ومقاطعه :
ما هذه الفواصل التى تنتهى إليها آيات القرآن؟ ما هى إلا صورة تامة للأبعاد التى تنتهى بها جمل الموسيقى ، وهى متفقة مع آياتها فى قرار الصوت اتفاقا عجيبا ، يلائم الصوت والوجه الذى يساق إليه بما ليس وراءه فى العجب مذهب ، وتراها أكثر ما تنتهى بالنون والميم ، وهما الحرفان الطبيعيان فى الموسيقى نفسها ، أو بالمد ، وهو كذلك طبيعى فى القرآن ... قال بعض العلماء : كثير فى القرآن ختم الفواصل بحروف المد واللين ، والياء والنون ، وحكمة وجودها التمكن من التطريب بذلك ، كما قال سيبويه أنهم (أى العرب) إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والنون لأنهم أرادوا مد الصوت ، ويتركون ذلك إذا لم يترنموا ، وجاء ذلك فى القرآن على أسهل موقف وأعذب مقطع.
فإذا لم تنته بواحدة من هذه (بالميم والنون والمد) كأن انتهت بسكون حرف من الحروف الأخرى كان ذلك متابعة لصوت الجملة ، وتقطيع كلماتها ، ومناسبته للون المنطق بما هو أشبه وأليق بموضعه ، وعلى أن ذلك لا يكون أكثر ما أنت واجده إلا فى