لأن السجع من الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ الذى يؤدى السجع ، وليس كذلك ما اتفق مما هو فى تقدير السجع من القرآن لأن اللفظ لا يقع فيه تابعا للمعنى ، وفصل بين أن ينتظم الكلام فى نفسه بألفاظه التى تؤدى المعنى المقصود فيه ، وبين أن يكون السجع منتظما دون اللفظ ، ومتى ارتبط المعنى بالسجع ، كانت إفادة السجع كإفادة غيره ، ومتى انتظم المعنى نفسه دون السجع كان مستجلبا لتحسين الكلام دون ضجيج».
وإننا هنا نجد افتراقا بين الباقلانى وابن الأثير وابن سنان وأبى هلال العسكرى فى تعريف السجع ، فأولئك يعتبرون السجع ما اتحدت فيه ألفاظ المقاطع ، سواء أكان المعنى هو المقصود ، وجاء الاتحاد تحسينا للقول ، أم كان المقصد هو اللفظ واتحاد ألفاظ المقاطع هو المقصود ، وفى الأول يكون السجع محمودا ، وفى الثانى لا يكون لائقا بمقام القرآن الكريم.
أما الباقلانى وسائر الأشاعرة ، ومن سلك طريقتهم ، فإنهم لا يذكرون السجع إلا فى الصورة التى يكون فيها اللفظ مقدما على المعنى.
وإن الذى دفع الباقلانى إلى هذا هو تشبيه السجع بالشعر ، فالشعر تقصد فيه القوافى والمقاطع المتحدة فى الألفاظ ثم تكيف المعانى على الألفاظ ليستقيم المقطع ، كما تستقيم القافية ، وإذا كان الشعر منفيا فى القرآن بالاتفاق فكذلك السجع الذى ينهج منهجه ، ويتبع طريقته ، وتجىء المعانى تابعة للألفاظ مكيفة بكيفها ، مأخوذة بطريقها ، وإن الله تعالى عند ما استنكر أن يكون قول شاعر ولا كاهن ، أدخل السجع فى النفى ، وهو السجع الذى يكون فيه المقصد الأول للفظ.
إنه إذا كانت الفكرة نفيا أو إثباتا قائمة على الاختلاف فى الاصطلاح فإنه قد زال الخلاف ، إذ لا مشاحة فى الاصطلاح.
وبذلك ننتهى إلى الاتفاق على أن القرآن فيه فواصل تتحد فيها المقاطع ولعلوها وسموها فى البلاغة كانت المعانى هى المقصد الأول ، وجاءت الألفاظ بجمالها وإشراقها وحسن نغمها ، ورنة موسيقاها تابعة لذلك ، وقد يكون اتحاد المقاطع فى الحروف من مظاهر الجمال وحسن النغم ، وانسجام الموسيقى ، وفى ذلك قوة التأثير ، بما لا يستطيع أحد أن يأتى بمثله.
وعلى ذلك نقول أن من يفسر السجع بأن الاتحاد فى حروف المقاطع من غير أن يكون المعنى تابعا للفظ يحكم بأن القرآن الكريم فيه سجع فوق قدرة البشر أن يأتوا بمثله ، ومن يقول أن السجع كالشعر يكون المعنى فيه تابعا للقافية والأوزان يكون القرآن الكريم منزها عنه.