والفوائد العظيمة ، فيحصل فى الطريق على غرضه من الفائدة ، على نحو ما يحصل له بالغرض المطلوب.
وإنه يستفاد من هذا الكلام أن الإطناب هو فى زيادة المعانى ، لا فى زيادة الألفاظ ، فإن اللفظ إذا زاد لا يكون الكلام من الإطناب البليغ المستحسن إلا إذا زادت معه المعانى ، وذلك يكون بتفصيل القول ، لا بإجماله ، اقرأ قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) (١٨) [طه : ١٧ ، ١٨] إننا نرى هنا إطنابا حلوا تترطب به الألسنة والأسماع ، كان الإيجاز أن يقول هى عصاى. وبقية المعانى تفهم ، ولكن محبة موسى لربه ، ورغبته فى أن يطيل المحادثة ، صرح بما يفهم ضمنا ، وبما يعلمه الله تعالى من غير بيان.
واقرأ مرة أخرى ما قاله موسى عليهالسلام عند ما كلفه ربه أن يقوم بحق الرسالة ، فقد قال راغبا فى حديثه مع ربه : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (٤١) [طه : ٢٥ ـ ٤١].
وهنا نجد فى هذا الكلام إطنابا فى خطاب كليم الله تعالى لربه ، فهو لا يكتفى بالملزوم حتى ينطق باللازم ، لأن الخطاب محبب إلى نفسه لأنه يخاطب ربه فيسهب فى القول من غير تزيد.
ثم تجد بعد ذلك فى كلامه إيجازا غير مخل ، قد حذف منه ما صرح به فى آيات أخر من قصة سيدنا موسى مع فرعون ، فذكر أن أخته قالت : هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ، ولم تذكر أنه حرم عليه المراضع ، وقد عرف هذا من الآيات الأخرى ، وفهم من هذه الآية ، إذ إنه لا يمكن أن يكونوا فى حاجة إلى من يكفله لهم ، إلا إذا احتاجوا إلى ذلك ، وحذف من قبل كلام امرأة فرعون ، وقد فهم ضمنا من قوله تعالى : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي).