وهو ألا يكون اعتداء بأى نوع ، أما كلمة العرب فلا تتجاوز المنع ، وهو أن القتل يمنع القتل.
وأيضا فإن كلمة القصاص فيها معنى المساواة بين الجناية وعقوبتها ، «والقتل أنفى للقتل» لا تستدعى بظاهر لفظها أن يكون القتل بالمساواة ، بل لا تمنع أن يكون القتل اعتداء ، والنص القرآنى السامى الذى لا يسامى فوق كل ما يدخل من معان على كلمة القتل أنفى للقتل.
هذا ما بدا لنا من زيادة كلمة القرآن من معان على كلمة العرب ، ولنعد من بعد إلى ما قاله الرمانى فى هذا المقام فهو يقول :
«وظهور إعجازه فى الأمور التى نبينها يكون بإجماع أمور يظهر بها للنفس أن الكلام من البلاغة فى أعلى طبقة ، لإيجازه وحسن رونقه ، وعذوبة لفظه ، وصحة معناه ، كقول على رضى الله عنه : قيمة كل امرئ فيما يحسنه ، فهذا كلام عجيب ، يغنى ظهور حسنه عن وصفه ، فمثل هذه الشذرات لا يظهر بها حكم ، فإذا انتظم الكلام ، حتى يكون كأقصر سورة أو أطول آية ظهر حكم الإعجاز ، كما وقع التحدى فى قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) فبان الإعجاز عند ظهور مقدار السورة».
ومؤدى هذا الكلام أن الإعجاز القرآنى ربما لا يبدو فى الكلمة أو الجملة مقطوعة عن سابقتها ولاحقتها ، ولو كانت الجملة إيجازا إنما يبدو فى السورة أو الطائفة من القرآن ، ونحن نخالف الرمانى فى ذلك ، فإن كلمات القرآن مع أخواتها لها إشعاع من المعانى يثير الخيال والمتأمل فى معانيها ما دامت الجملة مستقلة فى دلالتها ، تأتى بمعان مفيدة ، مثل قوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) (١٨) [التكوير : ١٨] وكقوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) [الشمس : ١ ـ ٣] فكل جملة من هذه الجمل لا يستطيع أحد أن يأتى بمثلها.
ولقد ختم الرمانى كلامه فى الإيجاز بذكر فضله وخواصه ، فقال رضى الله تعالى عنه :
«وإذا عرفت الإيجاز ومراتبه ، وتأملت ما جاء فى القرآن منه عرفت فضيلته على سائر الكلام ، وهو علوه على غيره من سائر الكلام ، وعلوه على غيره من أنواع البيان ، والإيجاز تهذيب الكلام بما يحسن به البيان ، والإيجاز تصفية الألفاظ من الكدر ، وتخليصها من الدرن ، والإيجاز البيان عن المعنى بأقل ما يمكن من الألفاظ ، والإيجاز إظهار المعنى الكثير باللفظ اليسير ، والإيجاز والإكثار إنما هما فى المعنى الواحد ، وذلك ظاهرة فى جملة العدد وتفصيله كقول القائل أن عنده خمسة وثلاثة واثنين فى موضع عشرة ، وقد يطول الكلام فى البيان عن المعانى المختلفة وهو مع ذلك فى نهاية