فيما بينها تابعا لنزول الوحى ، بل كان بوحى توجيهى لوضع السور فى أماكنها ، فإذا كانت السور الطوال فى هذه المواضع من القرآن ، والسور القصار فى هذا الموضع من الطرف الأخير فيه ، فإن ذلك بتوجيه من الله سبحانه وتعالى.
وكان من المستحسن أن نتكلم فى هذا لا فى مقدار البلاغة فيها ، فالجميع سواء ، ولكن من حيث الحكمة إن أمكن أن يؤدى تطاولنا إلى معنى ندركه ، فكتاب الله فوق طاقتنا فى إدراك مراميه كلها ، لأنها إرادة الله تعالى ، وهى لا تقبل التعليل ، لأنه لا يسأل عما يفعل ، وعباده هم الذين يسألون.
ولكن مع ذلك نحاول أن نتعرف حكمة الله تعالى أو ما نراه من أوصاف للسور الطوال وأخواتها القصار.
إننا نجد فى قصار السور ، وصفين :
أحدهما ـ أن نظم السور القصار كله يكاد يكون على نسق واحد مؤتلف النغم متآخى الألفاظ متلائم فى نظمه ، اقرأ قوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤) وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها) (١٥) [الشمس : ١ ـ ١٥].
وإنك لترى النغم متحدا ، والفواصل متحدة ، والتلاؤم بين ألفاظها منهاجه واحد ، وكأنها لقصرها لا تتغير فيها الأنغام ولا مقاطع الكلام.
الثانى ـ من الأوصاف الواضحة فى السور القصار إيجاز القصر فتجد القصة من قصص القرآن تذكر فى كلمات جامعة ويبعد فيها الأسلوب عن الإطناب فى القصة لحالها فى مواضع من القرآن الكريم ، وكلها معجز ببيانه وبلاغته.
اقرأ قوله تعالى : (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) (١٦). [الفجر : ١ ـ ١٦]