وترى من هذا كيف كان الإيجاز المعجز ، لقد أشار سبحانه وتعالى إلى قصة عاد وثمود وفرعون ، وقد وصف طغيانهم كما وصف قوتهم فى صنائعهم ، وصلابة أرضهم ، وكل ذلك فى إيجاز.
والسور القصيرة كلها فى موضوع واحد ، كما ترى قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (٣) [الكوثر : كلها].
وكما فى سورة الفيل فى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) (٤) [الفيل : ١ ـ ٤]
وكسورة قريش : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (٤) [قريش : كلها].
وإننا نرى أن الجزء الأخير فى ترتيب القرآن الكريم الذى اختص باشتماله على قصار السور ، والذى يسهل حفظه على الناشئين الذين لا يريدون جمع القرآن فى صدورهم ، قد اشتمل على بيان العقيدة الإسلامية ، وعلى معاندة قريش ، وعلى جهود النبى صلىاللهعليهوسلم وما لاقاه من عنت فى قومه ، وعلى المبادئ الخلقية الإسلامية ، وعلى أن كل مسلم يتحمل البتعة وعلى أصول المبادئ الاجتماعية ، وفيه إجمال كامل لقصص القرآن الكريم.
هذا شأن قصار السور وهى جزء من ثلاثين من القرآن الكريم. أما الطوال والمتوسط والأقرب إلى الطول والأقرب إلى القصر فهو يشمل نحو تسعة وعشرين جزءا من ثلاثين جزءا من القرآن.
وإن السور المدينة أكثرها ليس من القصار ، وهو يشتمل على الأحكام التفصيلية للتكليفات الشرعية ، فسورة البقرة والنساء والمائدة فيها كثير من الأحكام الفقهية سواء أكانت فى الأسرة أم فى المعاملات المالية ، أم فى الزواجر الاجتماعية ، أم فى العلامات الدولية ، وأحكام الجهاد ، وفيها كل ما يتصل بالسلوك الإنسانى الذى فرضه القرآن الكريم وبعض التكليفات المتعلقة بالأسرة أو المعاملات المالية جاء فى السور التى بين القصر والطول كسورة الممتحنة وكسورة الطلاق.
وأن السور الطويلة أو القريبة منها مع أنها ليست مرتبة على حسب النزول بالوحى ، بل هى كما ذكرنا مرتبة بأمر النبى صلىاللهعليهوسلم بالوحى عن ربه ، لأن النبى عليه الصلاة والسلام كان يأمر بوضع الآية عند نزول الوحى فى موضعها من السورة التى أمر بوضعها فيها.