وانظر إلى قصة إبراهيم عليهالسلام مع أبيه وقصته مع قومه (وقد ذكرناهما فى موضوع القصص) ، فإنك ترى فى القصتين أدلة التوحيد واضحة قوية تثبت بطلان عبادة الأوثان ، ولإبراهيم من بين الرسل مكانته عند العرب ، إذ هو شرفهم ، ومحتدهم الذى إليه ينتسبون ، وقد كانوا يزعمون أنهم على ملته ، فإذا جاءهم الخبر بتوحيده ومحاربته للأوثان ، وسيق لهم ما كان يحتج به على قومه ، كان ذلك مؤثرا أى تأثير فى قلوبهم.
ومجىء الدليل على لسان رسول يقر بفضله المخالفون كإبراهيم عند العرب ، وموسى عند بنى إسرائيل ، يعطى الدليل قوة فوق قوته الذاتية ، إذ تكون الحجة قد أقيمت عليهم من جهتين ، من جهة قوة الدليل الذاتية ، ومن جهة أن الذى قاله رسول أمين يعرفونه ، فيكون هذا قوة إضافية ، وفوق ذلك فيه إلزام وإفحام ، إذ إنهم يدعون أنهم أتباعه.
وقد يجيء الدليل أحيانا فى قصص القرآن على لسان حيوان فى قصة ، فيكون ذلك غرابة تسترعى الذهن ، وتثير الانتباه وتملأ النفس إيمانا بالحقيقة ، كما جاء على لسان الهدهد فى سورة النمل ؛ إذ يقول الله سبحانه وتعالى حاكيا عن سيدنا سليمان عليهالسلام : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (٢٦). [النمل : ٢٠ ـ ٢٦]
وترى من هذا أن دليل التوحيد جاء على لسان الهدهد ، فى أوجز عبارة ، وأوضح إشارة ألا تراه ينبه إلى بطلان عبادة الشمس من دون الله ، لأنها لا تؤثر فى الإبداع والإنسان بذاتها ، وبين أن ذلك الضلال للفطرة ، إنما هو من تزيين الشيطان الفاسد الأفكار ، وجعلهم يبتعدون عن حكم الفطرة الإنسانية ، وهو أن يسجدوا لله تعالى الذى يخرج المخبوء من البذور ، والنوى ، وكل أسباب الوجود ، وهى مختفية عن الشمس وضوئها ، فإذا كان لها تأثير ظاهرى فى الظاهر الذى خرج من الخبء ، فما يكون تأثيرها فيما هو خبء ، لا تأثير لها فيه لا ظاهرا ، ولا خفيا.
قياس الخلف :
١٥٦ ـ قياس الخلف هو إثبات الأمر ببطلان نقيضه ؛ وذلك لأن النقيضين ، لا يجتمعان ، ولا يخلو المحل من أحدهما ، كالمقابلة بين العدم والوجود ، والمقابلة