عنه ، حتى لقد فهم بعض العلماء أن جمع عثمان كان نسخا لما جاء فى الصحف المحفوظة عند أم المؤمنين حفصة رضى الله عنها وعن أبيها الفاروق ، وجاء ذكر ذلك فى بعض الروايات تسامحا ، ولكن الحقيقة أنه ما كان نسخا ، بل قام بالتحريات كلها ، حتى جمع ما جمع ، وكان التوافق الكامل الذى يدل دلالة قاطعة على صدق الجمعين ، وعلى تواتر القرآن الكريم مكتوبا ومحفوظا ، وبذلك حفظه الله تعالى وصانه.
ولقد قال الطبرى أن الصحف التى كانت عند حفصة جعلت إماما فى هذا الجمع الأخير ، ويقول القرطبى : «هذا صحيح» ومعنى صحته أنه بعد الجمع الذى قام به زيد بأمر عثمان ، وعاونه المؤمنون الحافظون قد روجع على مصحف حفصة رضى الله عنها ، وكانت هى المقياس لصحته ، فبالمقابلة بينهما بعد الجمع تبينت صحتهما بصفة قاطعة لا ريب فيها ، فكانت هذه الإمامة ، حتى ظن أنه نسخ منها.
١٦ ـ ويلاحظ أمران :
أولهما : أن عثمان رضى الله عنه كان غرضه من إعادة جمع المصحف هو أن يكتبه على حرف واحد من الحروف السبعة ، أى اللهجات واللغات السبع ، فما كان جمعه إلا لإثبات الحرف الباقى الذى روى مكتوبا عن النبى صلىاللهعليهوسلم ، ليجتمع عليه المسلمون ، ولا يكونوا متفرقين ، أن يكون ذلك موافقا للمكتوب فى عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم.
جاء فى القرطبى «قال كثير من علمائنا كالداودى ، وابن أبى صفرة : هذه القراءات السبع التى تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هى الأحرف السبعة التى اتسعت الصحابة فى القراءة بها ، وإنما هى راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة ، وهو الذى جمع عليه عثمان ، ذكره ابن النحاس وغيره».
الأمر الثانى : أن عثمان رضى الله تبارك وتعالى عنه حسم مادة الفتنة بذلك الجمع ، وعمل ما كان ينبغى أن يعمل ، ولذلك نسخ من هذا الذى جمعه نسخا على قدر الأقاليم العربية ، فأرسل إلى كل إقليم نسخة كانت هى الأصل لهذا الإقليم ، فأرسل إلى مصر ، وإلى الشام ، وإلى مكة واليمن والبحرين والبصرة ، والكوفة ، وحبس بالمدينة مصحفا كان هو الإمام لكل هذه النسخ ، وهو المرجع الأول فى الدولة ، ترجع إليه كل المصاحف ، وهو الحاكم عليها.
وإذا كان هو الأصل لكل هذه المصاحف فيجب القول بأنه لا اختلاف بينها لأنه الحكم ، وأنها صور لنسخة واحدة ، ويلاحظ أن الإمام العظيم عثمان قد كتب المصحف خاليا من النقط والشكل ، كما كان المصحف الموجود عند حفصة خاليا من النقط والشكل ، ولم يكن نقط وشكل إلا بعد ذلك.