ولقد نزلت آية فى تحريم الربا تحريما لا يقبل أى تأويل ، ولو كان فاسدا ، كالذى قيل فى معنى الربا فى الآية السابقة ، فقد قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٨١) [البقرة : ٢٧٥ ـ ٢٨١].
هذا نص صريح قاطع فى التحريم.
٢١٩ ـ ولكن قوما ممن تعلموا علم الإسلام لم يأخذوا بظاهر معناه. بل لأنهم عودوا المناقشة اللفظية فى الألفاظ وإلقاء ظلال من الإبهام على معانيها الواضحة البينة ، وقد لانت نفوسهم ، وأخذوها لحكم الزمان لا لحكم القرآن. وكأنهم تعلموا ليخرجوا الكتاب على غير مخارجه ، ويتأولوه بغير متأوله ، ومرنوا على ذلك ، وأضلوا كثيرا بعد ضلالهم.
إذا جاءك رجل وقال لك أشك فى أن هذه الشمس التى هى السراج المنير هى الشمس المذكورة فى القرآن أتصدق له قولا ، أم تحسب لكلامه وزنا ، أم تجعله فى ظل العلماء المشتغلين بالدراسات الإسلامية أيا كان لونهم ، وأيا كان زيهم.
إن رأيت ذلك ففي المتفيهقين من الذين يتكلمون فى القرآن وعلوم الإسلام من قال إن عمر قال : «إن للربا تسعة وتسعين وجها» ثم يردفون ذلك بأن يقولوا : إن لفظ الربا فى القرآن كان غير معروف لعمر. فكيف يكون واضحا لدينا. كبرت كلمة تنطق بها أفواههم التى أثمت بالقول فى كتاب الله تعالى بغير علم.
من هؤلاء تجدنا مضطرين لأن نشرح معنى كلمة الربا ، وإن كنا نقول : إن الشمس التى نراها هى التى فى القرآن.
يقول أبو بكر الرازى الشهير بالجصاص فى كتابه أحكام القرآن أن الربا قسمان ربا لغوى يعرف من اللغة وهو ربا القرآن. وهو ربا الجاهلية وهو أن يزيد فى الدين فى نظير الزيادة فى الأجل. والقسم الثانى هو الربا الاصطلاحى وهو الذى جاء فى الحديث