«الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيدا ، والتمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد. والبر بالبر مثلا بمثل يدا بيد. والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد. والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد. فمن زاد أو استزاد فقد أربى». فهذا النوع من التعامل سماه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ربا ، فكان ربا بمعنى الاصطلاح ، وهو الذى فيه الوجوه الكثيرة.
أما ربا القرآن فهو ربا الجاهلية. وهو الذى قال فيه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى حجة الوداع : «ألا إن ربا الجاهلية موضوع وإن أول ربا أبدأ به هو ربا عمى العباس بن عبد المطلب. فإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون».
والربا الجاهلى معروف وهو الزيادة فى الدين فى نظير الأجل ، فإن سدد فى عام كانت الزيادة واحدة ، وإن لم يسدد ضاعف الزيادة ، وهكذا مما نراه فى المصارف فى هذه الأيام.
ولكن الذين يثيرون الشك حول الشمس والقمر المذكورين فى القرآن يثيرون الشك فى ربا الجاهلية. فيقولون : ليس ربا الجاهلية هو الربا الذى يكون فى القروض الاستغلالية ، لأن المقترض يستغل الدين فيكتسب فيكون من عدلهم المزعوم أن يجعلوا للدائن سهما محدودا فى الدين سواء أخسر المقترض أم اكتسب ، ويقصرون ربا الجاهلية على الربا الذى يكون فيه قرض استهلاكى يقترض المدين ليدفع حاجات ضرورية ، ويكون الربا فى هذه الحال منافيا للمروءة والخلق الكريم ، ذلك تأويلهم الذى لا سند له من نص ، أو قياس معقول ، ولكنه تفكيرهم الذى يخرجون به عن حدود النص.
٢٢٠ ـ إن التأويل بتخصيص لفظ عام فى القرآن يكون بتخصيص من القرآن نفسه ، أو بتخصيص من المفسر الأول للقرآن وهو النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، فكل تخصيص لعام القرآن الكريم من غير ذلك يكون حكم الهوى فى القرآن ، ويكون ردا على صاحبه ، ولفظ القرآن عام يعم فى الربا فى القرض الاستهلاكى والاستغلالى على سواء ، وهذا فوق أن ذلك التأويل الشاذ عند علماء الشريعة فيه مصادمة للنص القرآنى ، من غير دليل ، فإن النص القرآنى فيه ما يدل على بطلان ذلك التأويل الذى دفع إليه الهوى ، والحال التى كانت عليه البلاد الحجازية تناقضه ، والحوادث التى كانت فى عصر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تقاومه لما يأتى :
أولا ـ أن المشركين قالوا مقالة أولئك الذين يحكمون هواهم فى القرآن ، ذلك أنهم برروا أكلهم الربا بأن شبهوه بالبيع ، وقال الله فيهم : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) ، ومؤدى كلامهم أنهم يعتقدون مشابهة بين ما يكسبه المقترض بالبيع والشراء ،